الحكم بعد المشاهدة
مثل رقصة التانجو..
يمكن أن تكون الشاشة متناغمة وراقية.. وتترك أثراً.
خرج "أحمد العسيلى" عن مألوفه فى الحلقة الأخيرة التى قدمها قبل الإجازة الصيفية لبرنامجه "حبة عسيلى". واضح أنه أراد أن يختتم هذا الموسم بحلقة تتسم بالجدية، وبرغم أن حلقات البرنامج تتناول موضوعاتها فى المجمل بنية جادة، وإن كانت بإسلوب يتسم بخفة الدم ـ كما هى شخصية "العسيلى"، إلا أن طبيعة هذه الحلقة اكتستها الجدية بشكل عام بسبب تناولها لموضوع "السيستم" المفتقد فى مصر، سواء فى الإدارة أو الاقتصاد أو التعليم. بالطبع كان الضيوف أكبر سناً من المعتاد، حيث كانوا فى مرحلة عمرية متوسطة، فى حين أن أغلب ضيوف البرنامج من الشريحة السنية الشابة.
كان "العسيلى" متألماً على غير طبيعته المشاغبة، كان معارضاً أكثر من أى كيان معارض، وبلغة أقرب للمشاهد. برغم الحديث الذى قد يبدو مستفزاً من جانب بعض الضيوف لأنهم بطبيعة الحال من شريحة هى العليا فى الطبقة الوسطى، لذا فإن كلامهم قد يأتى مستفزاً لشريحة واسعة من المشاهدين، وسوى ذلك، تسرب من الحلقة بعض الألم، الذى لم يكن خفياً، خاصة أنه مخالف لطبيعة البرنامج.
يمتلك "العسيلى" قدرة على الانتقاد، يميزها أسلوب بسيط وتلقائى، وهو الشىء الصعب حين الحديث عن انتقاد المجتمع، فإما أن تنتقد بحدة، أو بسطحية، ومن الصعب بمكان، الجمع بين النقد اللاذع والأسلوب الجذاب.
اختتم "العسيلى" موسمه التليفزيونى قبل رمضان، ببكائية على الوضع فى مصر، آلمت من شاهدها بقدر ما آلمته حين حديثه عنها مع ضيوفه، وفى الاستوديو، وترك السؤال دون إجابة، هل سنمتلك "السيستم" يوماً ما أم لا؟!
بحثاً عن "السيستم" أيضاً، قد يأتى البحث عما هو جديد، وصادق، وفى هذا الإطار يحتل برنامج "ف الكادر" مكانة تستحق أن تكون بارزة، فالبرنامج معنى بأن يكون نافذة لإبداع شباب لا يجد منفذاً لإبداعه، رغم استحقاقه العرض والمشاهدة. فى حلقة عرضت مؤخراً، تم عرض فيلم "لمبة نيون" من إخراج "عماد ماهر"، يقوم البرنامج بعرض فيلم قصير، بعد أن يقوم المخرج بالتعريف بنفسه، وبعد انتهاء الفيلم، يتحدث عنه ناقد تم اختياره بعناية، وتتاح له المشاهدة قبلها بعدة أيام، ما يتيح له التفاعل الحقيقى مع الفيلم، ويظهر هذا بوضوح من تعليقات الناقد، والتى تأتى غير مكررة، وتعكس رؤية حقيقية عن الفيلم وصناعه.
فيلم مثل "لمبة نيون" كان من المستحيل أن يجد فرصة للعرض سوى فى برنامج كهذا، شاهده مواطنون عاديون ليسوا من النخبة، ربما تفاعلوا معه وربما لا، لكنه وجد فرصته فى العرض على أى حال، وأن تتحدث عنه الناقدة "حنان شومان". مثلما يمكن للشاشة أن تكون كرقصة التانجو.. يمكنها أيضاً أن تكون كقطيع أفيال.. شرد أحدها فركضت خلفه مخلفة دمارا.. والاختيار يكون لصناعها.