من الأمور المدهشة، أن الكثيرين فى بلدنا ليسوا مشغولين بأنفسهم.. أقصد أن ينشغل بتجويد عمله، بتنمية مهاراته، بأن يستمتع بحياته بشكل أفضل.. إلخ، بدلاً من كل ذلك ينشغل بغيره من الناس، كيف يعيشون، كيف يأكلون، كيف يشربون، كيف يقضون وقتهم .. إلخ.
هذا ينطبق أكثر على علاقات العمل، فكثيرون لا ينشغلون بتطوير مهاراتهم، ولكن معظمنا ينطلق، هكذا، من أرضية أنه الأفضل بين أبناء مهنته، والمشكلة أن هذه الأحكام تنطلق فى الغالب بدون أساس على أرض الواقع.. ثم أننا لو افترضنا حتى إن هناك الأفضل، وهذا غير موجود فى الحياة، فمن المستحيل أن يستمر طوال الوقت.
وتكون النتيجة المنطقية أنه لا يرى مميزات الآخرين، وبالتالى لا ينشغل بالمعنى الإيجابى الخلاق، بالبحث عن الطرق التى أوصلتهم إلى هذا النجاح، ومحاولة الاستفادة منها. ولكن الانشغال هنا يكون بالمعنى السلبى وهو نزع أية ميزة أو جهد عن الآخرين، وإلصاق كل السوءات بهم، ثم الاندهاش مما وصلوا إليه،.. بالأعم أنهم وصلوا بطرق غير شرعية وفاسدة فى زمن ردئ.
هذا لا يعنى أن الحياة، وخاصةً فى بلدنا العزيز تمشى على طريق مستقيم، وأن كل الناجحين يستحقون هذا النجاح، فهناك دائما طرق ملتوية وفاسدة، ولكن هذا لا يعنى أن كل من وصلوا إلى القمة لا يستحقون، وحتى الذين لا يستحقون لا يخلون من ميزات علينا الاستفادة منها.
المشكلة تتحول إلى كارثة عندما ندخل فى منطقة الدين والتدين، لأن الكثيرين لا يريدون أن يمارسوا تدينهم بالطريقة التى تعجبهم فقط، ولكنهم يريدون فرض هذه الطريقة على الآخرين، فالمتعة هنا ليست فى أنك تتقرب بالطريقة التى تعجبك إلى الله (جل علاه)، ولكن فى محاولة إجبار الآخرين على أن يتبعوا نفس طريقتك، متعة أن تكون وصياً ورقيباً على الآخرين. والخطورة، ليس أن من يفعل ذلك لا ينطلق من أن هذه وجهة نظره الخاصة، وليس من حقه الاعتداء على وجهات نظر الآخرين، ولكنه يعتبر أنه هو نفسه الدين، وفى حالات كثيرة هو المتحدث باسمه والمسئول الوحيد عن تطبيقه على خلق الله.
وهذه هى المصيبة، التى تشيع الاستبداد الفاسد وتفجر التسامح، وتحول الأوطان إلى جحيم.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة