من المفارقات الرمضانية والتى صارت عادة أثيرة ستلاحظها.. عندما تجلس إلى التليفزيون وتتابع بعض برامج التوك شو، والتى تستضيف نجوم المسلسلات، ستفاجأ بكم هائل من الاتصالات والمكالمات الهاتفية والتى تثنى على أداء الممثلين وأبطال العمل، فكل الناس حلوين فى عيون المشاهدين.. والمفارقة أن جميع المسلسلات تتساوى فى الاحتفاء بغض النظر عن تفاوت المستويات وتباين أداء الممثلين.
ودائما لا أفهم سر هذا السيل من الحفاوة الجماهيرية، التى عادة ما تكون عكس التقييم النقدى خصوصا وأن هناك أعمالا تبدو شديدة السوء.. فما سر هذا التناقض هل هو مجرد فرحة المشاهد بأنه يكلم نجمه ونجمته المفضلة على الهواء مباشرة غير مصدق؟ لذلك يبدأ فى ترديد كلمة أنا بحبك قوى قوى ومش مصدق إنى بكلمك، فهل تلك الرغبة البسيطة هى ما تجعل المشاهد يرفض ذكر عيوب العمل الذى يتحدث عنه. لذلك يبدأ فى رص جمل لا معنى لها.. وعلى شكيلة إيه الحلاوة دى والمسلسل هايل والأداء عظيم والقصة ما حصلتش، وبالطبع يبدو النقاد دمهم تقيل جدا ويقولون كلاما ليس له أساس من الصحة وبالتأكيد بعضهم مغرض.. وستجد الكثير من النجوم يرددون لا يعنينى النقد وكل ما يكتب هو مجرد انطباعات تخلو من العمق وفجأة يرتدى الفنان ثوب الحكمة، ويؤكد أن الناقد الحقيقى هو الذى يحثه بعلمية شديدة عن مواطن ضعفه والأساليب التى تساعده على تطوير نفسه، وكأن الفنان سينفذ ما سيمليه عليه النقد والنقاد.
وبالطبع سيستكمل جمله الأرشيفية، مؤكدا أنا مع الموضوعية.. والمهم رأى جمهورى الذى يصادقنى .. ويثنى على وبعضهم لا يكتفى بذلك بل يؤكد على أن مسلسله يناقش قضية مجتمعية هامة، ويسألك باستنكار ألا تقرأ الجرائد؟ وتحديدا لا أعرف عن أى جرائد يتحدثون هل الجرائد التى ستتحدث عن قضايا الفساد وزواج السلطة بالمال، وعلاقة رجال الأعمال بالفنانات، أم الجرائد القومية والتى تؤكد على وردية الحياة.. ويبدو أن حالة الانقسام هذه لا تقتصر على الصحافة فقط وانتقلت عدوى التباين الشديد فى الأراء ما بين الجمهور والنقاد، وهى تلك الفجوة التى بات بعض الفنانين يستغلونها لصالحهم.. هى إفراز طبيعى لمجتمع تحول إلى جزر منعزلة كل فى وادى، الحكومة لا تعيش على الأرض، وشعب مخسوف به الأرض والسماء.
لذلك سيستمر النقاد يكتبون ما لا يرضى النجوم فى أغلب الأحيان.. وبرامج التوك شو تستضيف النجوم والجمهور يمدح ويكيل الثناء وللأسف سنظل ندور فى دائرة مفرغة، وأعتقد أن هذا يتسق تماما مع انتشار ظاهرة عمل بعض الصحفيين كمستشارين إعلاميين يأتمرون بأمر الفنان، وليس ذلك فقط بل يقومون بصياغة حوارات وتصريحات للفنانين تصلك ديليفرى إلى أميلك.. ولا أعرف أين نقابة الصحفيين من كل ذلك، فأنا أحترم من يقومون بهذه المهام بشرط الحصول على إجازات من جرائدهم ومجلاتهم. ولكن أن تختلط الأمور إلى هذه الدرجة.. وتسخر الصفحات لخدمة بعض الفنانين دون غيرهم.. فأى نقد إذاً سيستمع إليه الفنانون. وأى جمهور ستنمى عنده حاسة التذوق.. لذلك سنظل نسمع جملا أحنا بنحبك قوى قوى يافنان.. ياعظيم.. الخخخخ.