منذ شهرين تقريباً نشرت الصحف ما عرف بـ"وثيقة مستقبل مصر"، التى دعا إليها قبل وفاته رئيس وزراء مصر الأسبق عزيز صدقى، وشاركه فى إعدادها لفيف من المثقفين والسياسيين المصريين البارزين.
تناولت الوثيقة، التى نالت ترحيباً ملحوظاً فور إعلانها، الرؤية المستقبلية لمختلف الأوضاع فى مصر وحملت عنواناً فرعياً: "نحو بناء دولة عصرية مدنية وديمقراطية"، فسّره الدكتور سمير عيسى المتحدث الرسمى باسم الجبهة الديمقراطية للتغيير، بأنه "استعداد لمستقبل الحكم فى ظل الضبابية التى يعانى منها مختلف شرائح المصريين".
اشتملت وثيقة مستقبل مصر على خطوط عريضة، تتبنى الإصلاح فى جميع المجالات السياسية والاجتماعية والثقافية، لا يختلف حولها أطياف العمل السياسى بمصر، بقدر ما يختلفون حول تفعيلها فى الواقع العملى، فنصوص الوثيقة اكتسبت الروح الدستورية التى تجعل منها علامات على الطريق تحتاج إلى تفصيل وتفسير، حتى تصبح مشروعات قوانين مفصلة تحكم علاقة الإنسان بواقعه وتعالج المستجدات فى هذا الواقع.
الحادث أن الوثيقة، على أهميتها، تعرضت لما تعرض له قبلها عديد من المبادرات والبيانات والإعلانات ذات الطابع الوطنى، من حيث إنها أعلنت بزخم كبير واحتشد حولها النشطاء ثم لم يلبث أن انهار معدل الاهتمام بها، فضلاً عن العمل من أجل دفعها إلى الأمام.
تراجعت كل الأنباء الواردة بشأن دور الجبهة الديمقراطية للتغيير، وهى المظلة التى تضم العديد من الأحزاب والقوى السياسية المعارضة فى تفعيل الوثيقة، ولم نسمع سوى أخبار عن انشقاقات واعتراضات حول الوثيقة أو تقليل من أهميتها على ألسنة ساسة محسوبين على الحزب الوطنى، كما أسهم السياسيون والمثقفون الذين طرحوا الوثيقة فى صرف الأنظار عنها، لعدم المضى قدماً بها فى إطار الاعتماد الشعبى لها وتحويلها إلى مشروع وطنى للتغيير، يمكن أن يكتسب الجهود لتدعيمه والإضافة إليه باستمرار.
وفى هذا السياق أدعو الجبهة الديمقراطية والمثقفين والسياسيين الذين طرحوا الوثيقة، إلى إجراء قد يكون فعالاً فى الابتعاد بمصير الوثيقة عن سابقاتها من المبادرات والبيانات الوطنية التى صيغت لتنسى أو صيغت حتى يبرئ واضعوها ذمتهم فحسب، نقول إننا ندعو إلى التخفف من لهجة الخطوط العريضة والتوصيات النهائية والاتجاه إلى دعوة كل المفكرين والمثقفين والسياسيين والعلماء المصريين، لإنشاء لجان متخصصة تقوم بتحويل الخطوط العريضة للوثيقة إلى مشاريع تحمل الرؤية الاستراتيجية للإصلاح والتغيير، كما تحمل مبادرات عملية يمكن تحقيقها على أرض الواقع، بمعنى آخر أدعو الوطنيين وراء الوثيقة إلى إنشاء لجان للصحة والإسكان والنقل والأمن القومى والزراعة والمياه والتنمية البشرية والثروة المعدنية والبترول، ويكون من بينها لجنة خاصة بسيناء ولجنة أخرى للصحراء المصرية على أن تعمل هذه اللجان المقترحة على تقييم الأداء الحكومى الحالى واقتراح السياسات البديلة والخطط الإصلاحية البديلة، انطلاقاً من مشروعات موثقة يمكن تنفيذها فعلياً.
وأذكر الوطنيين ممن صاغوا الوثيقة بجماعة النهضة القومية، تلك التى عملت خلال عقدى الثلاثينيات والأربعينيات من القرن العشرين، على وضع المشروعات النهضوية لمصر فى جميع المجالات، فى الاقتصاد والزراعة والصناعة والتعليم والرى، وعندما قامت ثورة 1952، استفادت كثيراً من هذه الخطط الجاهزة ذات الرؤية المستقبلية، ووضعتها موضع التنفيذ وحسبت من مآثر العهد الثورى.
هل ينجح القائمون على وثيقة مستقبل مصر فى تحريكها باتجاه مآثر جماعة النهضة القومية، أم سيكتفون باعتبارها نوعاً من الاحتجاج "الشيك" ذى الصبغة الدستورية، ويتركونها تحتل موقعها فى أدراج النسيان؟
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة