واضح من الحلقات الأولى لمسلسلات رمضان أن نجومنا الكبار أصبحوا يعملون بمبدأ "القِرَف"، والقرف هنا بكسر القاف؛ أقصد بها من يرتاحون للعمل معهم أو يتفاءلون بوجوههم، بعيداً عن المعايير الفنية، التى من المفترض أن تحكم العمل الدرامى، ويبدو أن الفيصل فى صناعة الدراما المصرية هو "النجم" صاحب الصوت الأوحد والأعلى، حتى من سلطة المخرج.
وجاءت دراما رمضان هذا العام ختماً رسمياً مصدقاً به على زوال هذه السلطة، ولنأخذ مثالاً على ذلك: مسلسل النجمة يسرا "فى أيد أمينة"، حيث حرصت يسرا على أن يتواجد معها معظم مجموعة العمل التى شاركتها "قضية رأى عام" العام الماضى، ومنهم إيهاب فهمى، وأشرف مصيلحى، وخيرية أحمد، وقامت باستبدال لقاء الخميسى بجيهان فاضل بعد أن تردد أن هناك الكثير من الخلافات التى وقعت بين يسرا ولقاء أثناء تصوير المسلسل.
وما أحزننى حقاً هو أن مخرج بحجم الأردنى "محمد عزيزية" والذى قدم العديد من الأعمال الدرامية الهامة منها "الظاهر بيبرس" والجزء الأول من مسلسل "خالد بن الوليد"، عندما جاء إلى مصر لم يستطع أن يفرض قانونه، ويمارس حقه كمخرج يقود العمل ويختار الشخصيات المناسبة كل فى مكانه، بل للأسف خضع لقوانين الدراما المصرية التى تعطى الحق للنجم فى فرض سطوته على كل تفاصيل العمل، والتى كتبنا مراراً وتكراراً عن أنها من أهم الأسباب فى تدهور مستوى الدراما المصرية، والتى أكد عليها عزيزية فى حواراته السابقة قبل أن يأتى للعمل فى الدراما المصرية.
والحال لا يختلف كثيراً مع الفنان نور الشريف الذى حرص على تواجد كل مجموعة العمل التى اختارها بنفسه فى الجزء الأول من الدالى، وإن كان مبرره أنه يقدم جزءا ثانيا للمسلسل، ولكن يبدو أن أكثر الشخصيات الدرامية التى استحوذت على اهتمام الجماهير فى الجزء الأول؛ زادت مساحتها الدرامية فى الجزء الثانى. أما الفنان يحيى الفخرانى فبالرغم من تقديمه للعديد من الممثلين فى كل عمل، إلا أنه فى الكتابة بات لا يخرج عن يوسف معاطى أو محمد جلال عبد القوى، والذى صاغ له مسلسله "شرف فتح الباب".
نفس الحال يتكرر مع إلهام شاهين، وفيفى عبده، وتيسير فهمى .. وهو ما يدعو للتساؤل حول الآلية التى يخضع لها الإنتاج التليفزيونى المصرى؟ .. وهل يكفى أن النجمة "فلانة"، أو النجم "فلان" بما أنه يحقق قدرا كبيرا من الإعلانات، أو يستطيع الحصول على تمويل للعمل الدرامى الذى يقوم ببطولته، أن يصبح هو الآمر الناهى فى كل التفاصيل الخاصة بخروج العمل فى شكله النهائى؟ خصوصاً وأن بعضهم أصبحوا يؤكدون أنه يحق لهم التدخل فى كل كبيرة وصغيرة لأن نجاح العمل أو فشله ينسب إليه أو إليها فى النهاية، وهى كلمةُ حقٍ يرادُ بها باطل. وفى ظنى أن من حقه المشاركة فى مناقشة الورق قبل كتابته، ووضع تفاصيل خاصة يمكن لها أن تخدم شخصيته أو شخصيات أخرى مع المخرج أو الكاتب، ولكن بالتأكيد لا يحق له اختيار طاقم العمل أو إلغاء مشاهد لشخصيات قد يرى أنها خطفت منه الأضواء، أو التدخل فى المونتاج ليظهر هو من "الجلدة للجلدة".
وفى هذا السياق أذكر الواقعة التى رواها الزميل طارق الشناوى عن النجمة سعاد حسنى – فى عز نجوميتها - وأثناء تصويرها لفيلم "زوجتى والكلب" مع المخرج سعيد مرزوق، ناقشته فى الاستوديو عن وجهة نظرها فى تصوير مشهد فى الفيلم، وما كان من سعيد مرزوق إلا أن طردها من اللوكيشن أمام كل العاملين، مؤكداً لها أنه المخرج .. وهى كفنانة تعمل تحت قيادته وليس العكس، وتلك هى الأصول التى تاهت فى العمل الفنى، وأدت إلى اختلاط "الحابل بالنابل"، لذلك لم نعد نندهش عندما نسمع عن فنانة تطرد مخرجاً من مكان التصوير وتستبدله بآخر، كما حدث مع الفنانة فيفى عبده، كذلك عندما تغضب نجمة على فنانة من الوجوه الشابة التى تشاركها العمل وتأمر بحذف نصف مشاهدها دون النظر للسياق الدرامى، مثلما فعلت الفنانة سميرة أحمد مع الوجه الجديد "نسرين إمام" فى مسلسلها "جدار القلب".
لذلك لا يحق لأحد أن يطرح تساؤلات حول تراجع الدراما المصرية، وظهور مسلسلات هذا العام فى صورة باهتة منذ حلقاتها الأولى، ولا مقارنة بما يحدث فى الدراما السورية، والخليجية أيضاً .. وكفاية علينا "قرف النجوم".