حدث بالضبط ما أرادته حماس، الدفع بإصرار من أجل الحرب، ومن ثم سقوط الشهداء والجرحى بالآلاف، وهنا يمكنها أن تعيد شحن شعبيتها، وتجبر، كما تتصور، باقى الأطراف، وعلى رأسها إسرائيل بأن تكون جزءاً أساسياً من أى معادلة قادمة، إن لم تستطع أن تكون الوحيدة فى هذه المعادلة.
فقد كانت قبل هذه المجزرة المروعة محاصرة، ومشكوك بشرعيتها دولياً وحتى عربياً، وفشلت فى أن تجبر الاتحاد الأوروبى وإسرائيل والإدارة المصرية على تغيير اتفاقية المعابر بحيث تكون بديلاً للسلطة الفلسطينية .. ومن هنا كان رفضها لتمديد التهدئة رغم أن إسرائيل، كما نشرت الصحافة العبرية، كان جيشها يتدرب على الاقتحام العسكرى لغزة.
لم يكن أمام حماس سوى اختيارات محدودة حتى لا تقع الحرب، أولها أن تتنازل عن وجودها على المعابر، وخاصة رفح، حتى يتم فتحها طبقاً لاتفاقية 2005، وأن تكمل مشوار المصالحة الوطنية مع سلطة أبو مازن، ولكنها رفضت التنازل السياسى، ولو قليلاً، وقررت عدم مد التهدئة، وهو ما يعنى بشكل أو آخر الموافقة على الحرب.
المصيبة أنها حتى لم تكن مستعدة لهذه الحرب أمام جيش هى تعرف قدراته، ودعك من الكلام الفارغ حول الانتصار، فيمكنك ببساطة أن تقارن عدد الجرحى والقتلى على الجانبين، ويمكنك أن تحصى الخسائر التى سببتها آلة الحرب الإسرائيلية والخسائر التى لحقت بالدولة العبرية، حتى تعرف أن الأمر ليس فيه أى بطولة على الإطلاق، ولكنه جنون أن تخوض حرباً وأنت تعرف أنها ستكون مجزرة بشرية وليس لها ثمن سياسى.
أعرف أن هناك من سيقول إن هذه روح استسلامية، والحقيقة أن دور أى تيار سياسى، وخاصة إذا كان فى الحكم، أن يحافظ على شعبه وليس أن يلقيه فى المحرقة، يحسب توازنات القوى ويختار الوسيلة الأكثر أمناً والأقل تكلفة بشرية ومادية فى المقاومة .. ولكن حماس لم تفعل ولن تفعل، لأنها مثل الكثير من الأنظمة العربية والتيارات السياسية تعتبر الشعب مجرد أداة لتحقيق مشروعها السياسى، وعندما يتعارض الاثنان، وليذهب الشعب إلى الجحيم، فلا صوت يعلو فوق صوت متعة الحكم.
* أعتذر للغياب فقد كنت فى سوريا الشقيقة
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة