علا الشافعى

غزة التى لا أعرفها

الأحد، 04 يناير 2009 04:43 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لم أنسَ اليوم الذى زجرتنى فيه أمى بشدة عندما كنت صغيرة، لأننى كسرت أحد أطباقها الصينى الغالية، وغضبها الشديد منى، الذى رأيته وقتها زائداً عن حده، ولأننى فوجئت برد فعلها وقسوة تكشيرتها فى وجهى قلت لها "يا ماما ده طبق واتكسر مفيش حاجة يعنى"، فأجابتنى بدون تردد "مش أى طبق.. الطقم كله اشتريناه من سوق غزة فى فلسطين"، وحكت لى كيف أنهم اعتادوا الذهاب إلى غزة للتسوق وشراء كل الحاجات الحلوة والغالية، وروت لى تفاصيل تلك الرحلات وذكرياتها هناك.

تلك هى غزة التى رسمتها والدتى فى مخيلتى الطفولية، لدرجة أننى أصبحت مثل أمى تماماً، أعتز بكل ما جاءت به من سوق غزة، والذى مازالت تخزن بعضه بعناية شديدة، وترفض تماماً أن نستخدم تلك الأغراض القيمة إلا للحبايب والمقربين جداً منها.

والدتى اعتادت الذهاب إلى غزة فى الستينيات من القرن الماضى مستقلة القطار من بنها إلى غزة مباشرة، تبتسم كلما اقتربت من منشدها، وتمسك فى يدها بقائمة طويلة من المشتريات، وما أن تضع قدمها هناك، حيث كانت تلمح مزارع الزيتون، وتشتم رائحة أشجار البرتقال، تجد نفسها تتجول فى تلك المدن المفتوحة على البحر، لتشترى كل ما تريده، ثم تبدأ رحلة العودة إلى الوطن مروراً ببور فؤاد ومنه إلى بنها مرة أخرى.


غزة التى حدثتنى عنها والدتى كانت مليئة بكل الأشياء الجميلة، وهيأت نفسى وقتها لكى أقص تلك الحكايات على ابنتى، إلا أننى لن أستطيع ذلك، حيث أجد نفسى مضطرة إلى أن أحكى لها عن غزة التى يريد الإسرائيليون إلقاءها فى البحر، يرغبون فى إبادتها.. غزة المليئة بجثث الشهداء، والأشجار المقتلعة، والمنازل المهدمة وفى خلفية المشهد صراخ ونظرات هلع تملأ عيون الأطفال..

تلك هى غزة التى تعيد نشرات الأخبار رسمها فى ذهنى منذ سنوات، مليئة بالوهن من كبر وعناد حماس، وتواطؤ، الأنظمة العربية.. لم يعد يهتم أحد بالنساء ولا الأطفال الذين أصبحت إسرائيل تستهدفهم تلك المرة، وكأنها وعت إلى ضرورة اغتيال النساء الفلسطينيات اللائى ينجب أطفال الحجارة، نواة رجال المقاومة، حيث أنه طبقاً للأخبار هناك 30% من شهداء العدوان والاجتياح الإسرائيلى لغزة من الأطفال والنساء..
تلك هى غزة التى نجحت قوات الاحتلال فى محو صورتها التى انطبعت فى ذهنى ورسمتها والدتى عن غزة، ولكنها لن تنجح فى محوها من على الخريطة الفلسطينية، لأنها ستبقى.






مشاركة






الرجوع الى أعلى الصفحة