مشكلة تيار استقلال القضاء ومنهم المستشار محمود الخضيرى أنهم أفسدوا قضيتهم وقضيتنا العادلة، عندما نقلوها بإرادتهم إلى خانة العمل السياسى بمعناه المباشر، انحازوا لتيارات سياسية ضد أخرى.. ومن ثم دمروا أغلبية واسعة حول مطلب من المستحيل أن تتقدم دونه بلدنا.. أقصد استقلال القضاء، فهو الحصن الأخير لنا جميعا، وإذا انهار، تحولت الدولة المصرية إلى غابة.
لذلك من الصعب أن تجد حتى من بين مؤيدى السلطة الحاكمة، من يجاهر بالدفاع عن انتهاك السلطة التنفيذية (الحكومة) لقدسية القضاء، وبالتالى فما قاله الخضيرى فى حواراته عقب استقالته قبل عدة أشهر من خروجه من الخدمة، من الصعب الخلاف عليه، بل ولابد أن نناضل لتحقيقه. ومنه على سبيل المثال رفض الحكومة لتنفيذ الكثير من الأحكام، واستخدام مد سن العمل والندب والإعارة للترغيب والترهيب. وليس منطقيا استمرار مهزلة محاكمة المدنيين أمام القضاء العسكرى، ولا الاستغلال السيىء من قبل بعض رؤساء المحاكم للسلطة التى فوضتهم فيها الجمعيات العمومية ليختاروا قضاة محددين للتأثير على الأحكام. وإصرار وزير العدل على السيطرة على المجلس الأعلى للقضاء.. ناهيك عما نساه الخضيرى وهو توريث أولاد وأقرباء المستشارين للقضاء، وذلك كله وصولا إلى ميزانية مستقلة لا تتدخل فيها على الإطلاق أى حكومة.
لكن المشكلة أن تيار الاستقلال دمر الفرصة الثمينة لتحقيق أوسع التفاف حول هذا المطلب الضرورى لنا جميعا لتحقيق العدل، عندما قرر قادته ممارسة العمل السياسى المباشر، فالخضيرى نفسه قال فى حواره مع «المصرى اليوم» إن الإخوان هم المعارضة الحقيقية وأنهم جماعة محترمة.. ناهيك عن اتهامه للمخالفين له فى الرأى السياسى بأنهم خونة وأصحاب قلب ميت، وكان ذلك أثناء العدوان الصهيونى الغاشم على غزة، بصفته رئيسا للحملة الشعبية لكسر الحصار.
فهل هذا يعنى أنه وهو قاض جليل سينحاز أثناء عمله للإخوان الذين يتعاطف معهم ويمدحهم، وماذا سيفعل إذا وقعت تحت يده قضية تخص مثلا عضوا فى الحزب الحاكم، وهل سيعاقب من يرفض مساعدة أهلنا فى غزة بالإعدام لأنه يرى أن الأولوية لفقراء مصر، أى هل سيحكم بالقانون أم بالسياسة، وكيف يطمئن قلبى وقلبك لقاض يتهم مخالفيه من بين القضاة بأنهم خدم للسلطة التنفيذية التى اشترتهم «بشوية شقق ومناصب»؟
بالطبع المستشار الجليل ليس حالة استثنائية، ولكنها مزاج عام لدى هذا التيار.. وإذا عدت بالذاكرة قليلا للوراء ستجد على سبيل المثال بيانا أصدره نادى القضاة وقت العدوان الصهيونى على لبنان نقل فيه حسن نصر الله من خانة السياسة إلى خانة القداسة والزعامة، فكيف سيتعاملون مع من يرى أن نصر الله دمر لبنان واللبنانيين؟
وما أقصده، مع كامل الاحترام للمستشار الجليل ورفاقه، أن حراسة القانون والعدالة لا تجتمع أبدا مع السياسة. ولذلك أنا سعيد باستقالة المستشار الخضيرى، فهو فى تقديرى يريد ممارسة السياسة، وهذا حقه، فهو كما قال «هيدوس على الرابع والخامس والسادس» فى السياسة.. بعيدا عن القضاء.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة