1
لا يوجد شخص عاقل تسعده خسارة مصرى لمنصب دولى رفيع مثل رئاسة اليونسكو، ولا يوجد شخص عاقل أيضا يصدق أن خصوم فاروق حسنى ليسوا مصريين ويعملون ضد الوطن كما قال هو نفسه عن منى الطحاوى فى حواره العاطفى والمؤثر مع مجدى الجلاد فى المصرى اليوم، لأنها كتبت ضده فى الواشنطن بوست، أو أن الجريدة التى لم تسانده فى الداخل (ويقصد الشروق والتى هى فى خصومة مع المكان الذى أجرى الحوار) «يوجد علامة استفهام حول توجهها»، فاروق حسنى خسر فى معركة ديمقراطية، يخسر فيها شخص ليفوز آخر، ولا يعنى أن مصر خسرت معركة مصيرية لمجرد أن مرشحها لم يوفق، رئيس لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشعب مصطفى الفقى قال «إن معارضة الدول الغربية كانت لشخص الوزير وليست لمصر»، وكلنا يعرف هذا، وأنهم طلبوا تغييره فى مرحلة مبكرة، ولكن النظام ركب دماغه، ولم يفكر فى ترميم علاقاته مع الآخرين، مثل الأفارقة الذين أعطوه (كما قال الوزير) ثلاثة أو أربعة أصوات من 13 صوتاً، لأننا لا نتذكرهم إلا إذا احتجنا إليهم.
2
ذهب فاروق حسنى إلى أوروبا محاطا برجاله الذين يعملون معه وأصدقائه، مصحوبا بدعم السيد الرئيس المعلن والخفى، فى خدمته ملحقون ثقافيون تختارهم وزارة التعليم العالى مكافأة على تعاونهم مع الأمن فى الجامعات (كما كتب خالد السرجانى فى الدستور)، ذهب وخلفه صحفيون يعملون مندوبين له فى صحفهم وليس العكس، ذهب والثقافة المصرية تحاول معالجة التراخى فى مواجهة التطبيع، التراخى الذى أحدثه الشوق إلى المنصب والذى جرأ كثيرين على خرق الإجماع، ودفع هالة مصطفى مثلا إلى استقبال السفير الإسرائيلى فى مؤسسة وطنية مثل الأهرام، ذهب حسنى ممثلا للنظام وليس للثقافة التى يحتقرها النظام، وعاد «والدموع فى عينيه لأنه لم يجلب المنصب لمصر»، والذين رحبوا بالموسيقار الإسرائيلى فى الأوبرا وهاجموا من اعترض على مجيئه وشاهدوا العرض وكتبوا عنه، بدأوا العزف على خسة الإسرائيليين، الوزير «ذهب من أجل التصالح بين الإنسان والطبيعة وبين الماء والجدب وبين الأديان» ولكنه اكتشف فجأة أن مشروعهم كان الانشقاق»، وعاد بعد أن اشتهرت اليونسكو على يديه، لقد تحولت الخسارة إلى «مندبة»، والذين استفادوا من وجوده فى الوزارة كان عليهم أن «ينقطوا فى الليلة» ويكيلوا الاتهامات لخصوم الداخل أكثر من إسرائيل وأمريكا والغرب العنصرى ودولة قطر والشمال الذى يتعالى على الجنوب وازدواجية أوباما، وبعد مقولة الرئيس الخالدة «ارمى ورا ضهرك» دخل رؤساء تحرير ورؤساء مجالس إدارات الصحف القومية الحلبة، والسابقون أيضاً، سمير رجب مثلاً لم تفته المناسبة وقال «مبروك على المجتمع الدولى اختياره، شيوعية سابقة» هو على ما يبدو يريد أن «يبلغ عنها»، على الجانب الآخر من الخيبة تساءل سعد الدين إبراهيم: لماذا تقف إسرائيل وأمريكا ضد فاروق حسنى؟ كأنه من بلد آخر ولا يعرف الإجابة، وأشاد بالفائزة لأنها قاومت الشمولية فى بلدها، دون أن يعرف أنها ابنة رئيس تحرير جريدة الحزب الشيوعى البلغارى السابق، جهاد عودة قال فى الجمهورية «إن المعركة أسقطت ورقة التوت عن التطبيعيين الذين ينادون بالتطبيع مع إسرائيل» وبالطبع ضحكت، أحمد نوار قال: «باختصار خسرت دول العالم فاروق حسنى فى هذه الدورة لأنه يحمل أحلام الشعوب من أجل الحفاظ على التراث الإنسانى»، وأنا أتفهم دوافعه وشهامته، ودوافع الذين نسوا المعارك الحقيقية فى الداخل، وراحوا يشدون على يديه كأنه فى محنة.
3
فاروق حسنى خسر «بجسارة» لا شك، لأن ما يقرب من نصف الكوكب أعطاه صوته، وهذا فى حد ذاته يعد إنجازاً، وأمامه بعد عودته ومسح الدموع فرصة عظيمة للانخراط مع المثقفين الذين يقاومون التطبيع ولم يسافروا معه قبل أن تضيع مصر مع المنصب الرفيع الذى ذهب إلى سيدة تستحقه أيضاً.