بعد أن تناول أعضاء "مجلس الأمم المتحدة لحقوق الإنسان" برئاسة "ريتشارد جولدستون" حبوب الشجاعة المفتقدة، فتجاهل كل الضغوط الأمريكية والإسرائيلية وأصدر قرارا ضد إسرائيل وتبنى تقرير "جولدستون" حول حرب غزة والذى اتهم "إسرائيل" و"حماس" بارتكاب جرائم ترقى إلى "جرائم حرب" و"جرائم ضد الإنسانية"، خلال الاجتياح الإسرائيلى لقطاع "غزة" فى ديسمبر 2008 ويناير 2009 حيث جاء ذلك ضمن قرار شامل ركّز خصوصا على الدولة الصهيونية لعدم تعاونها مع التحقيقات التى أجرتها لجنة "جولدستون" وندد بشدة بـ"الإجراءات والسياسات الإسرائيلية" و" فى القدس الشرقية، متجنباً أية إشارة إلى "حماس"، فأثار غضب الدولة الصهيونية وسوف يسجل التاريخ البشرى فى مضبطة العدالة والمساواة واللا عنصرية أن "أمريكا"، و"المجر"، و"إيطاليا"، و"هولندا"، و"سلوفاكيا" و"أوكرانيا"، قد جاهرت بمعارضتها لتبنى تقرير "جولدستون" الذى يوصى ولا يلزم بالتحقيق فى الجرائم التى ارتكبت خلال الحرب على غزة.
وقد ندد القرار بالإجراءات الإسرائيلية الأخيرة فى القدس المحتلة مطالبا الدولة الصهيونية باحترام الحقوق الدينية والثقافية فى الأراضى الفلسطينية، كما دعاها إلى الوقف الفورى لعمليات الحفر تحت المسجد الأقصى، وسياسة هدم المنازل، فيما وقف السفير الفلسطينى "إبراهيم خريشة" مراقب فلسطين الدائم لدى الأمم المتحدة فى جنيف معلنا أن الشعب الفلسطينى " لن يسامح مرة أخرى المجتمع الدولى إذا ما ظل المجرمون فارين من العدالة " وأضاف أن الشعب الفلسطينى لا يريد سوى العدالة السياسية للشعب الفلسطينى ومشروعية نضاله التى تؤيدها كافة أطراف المجتمع الدولى، لكن الصهيونى "أهارون ليشنو يار" مندوب الدولة الصهيونية قال فى صفاقة معروفة بأن تبنى التقرير "سيمثل نكسة لجهود إحياء السلام، وسيشكل مكافأة للإرهاب"، معتبراً أن التقرير "غير متوازن ولم يشر إلى ما ارتكبته حماس فى غزة ، وإلى حق إسرائيل فى الدفاع عن النفس".
وتساءل "هل تدعمون أهمية الدفع بعملية السلام بين إسرائيل والفلسطينيين؟ إذا كنتم تريدون هذا، فإن عليكم رفض هذا المشروع"، وقد تواكب تقرير "جولدستون" مع محاولات المصالحة التى تقوم بها "مصر" بين طرفى الحرب الأهلية الفلسطينية "فتح" و"حماس" فيما ذكرت تقارير سياسية متداولة فى الصحافة الأمريكية أن "الولايات المتحدة" بعثت برسالة إلى "مصر" تؤكد على أنها لا تؤيد إجراء اتفاق مصالحة بين حركتى "فتح" و"حماس" لأن من شأن "اتفاق المصالحة" أن يقوض المفاوضات مع إسرائيل والمتابع لمسلسل "اتفاق المصالحة".
على الإنترنت سوف يرى أن موقع "فلسطين اليوم" الإلكترونى، يؤكد على أنه قد "قال مسئول بالإدارة الأمريكية إن الولايات المتحدة سوف تستمر فى معارضة هذا الاتفاق فى أى وقت وإن وجهات النظر الأمريكية قد تم توضيحها للمصريين عدة مرات"، ونحن نرى أن "اتفاق المصالحة" هذا لن يتم وسوف تبقى "حماس" دائما تعمل على تقويضه وحتى إذا قبلته مراوغة وتقية فى العلن فسوف تعمل على تقويضه قبل أن توقعه، فمعنى قبول أشاوس "حماس" باتفاق المصالحة سوف يكون فى نفس اللحظة قبولا طوعيا بإسقاط هيمنتها على قطاع غزة، والعودة لفرض هيمنة السلطة الفلسطينية على القطاع، وسوف يظل "خالد مشعل" رئيس المكتب السياسى لـ"حماس" يردد ويلوك "أن الوقت غير مناسب لإتمام المصالحة الفلسطينية" وسوف يؤكد رئيس مكتب "حماس" السياسى دائما على أنه "لا مصالحة دون تحقيق شرطين هما ترتيب البيت الفلسطينى بناء على إرادة الشعب واختياره دون تزوير، والتوافق على برنامج سياسى وطنى وقرار واحد" وسوف يظل يردد ويلوك على "أن حماس أرادت بالمصالحة، العمل على نزع الذريعة التى على أساسها تجوع غزة وتقمع الضفة الغربية"، مؤكدا أن "المصالحة تحتاج لآلية وتوقيت جديدين" وسوف يظل "مشعل" يطالب بـ"بناء مرجعية وطنية جديدة من خلال إعادة بناء منظمة التحرير الفلسطينية لكى تكون قيادة حقيقية أمينة ومخلصة تمثل مصالح الشعب، حتى لا ينفرد أحد بمصير القدس المحتلة ولا بحق العودة والأرض والموقف من الاستيطان".
وهكذا يسير أحد طرفى الحرب الأهلية الفلسطينية وهو "حماس" فى نفس الطريق الذى سبقه إليه أحد طرفى الحرب الأهلية اللبنانية وهو "حزب الله" الذى كان- ولا يزال- يلعب دورا فعالا فى السياسة اللبنانية، ومن المعروف أن تنظيم "حزب الله" كان قد تأسس برعاية إيرانية فى أعقاب الغزو الإسرائيلى للبنان فى عام 1982 حيث تحول، منذ ذلك الحين، من مجرد "منظمة عنيفة" إلى حركة تتحكم فى جانب كبير من السلطة اللبنانية ولديها أعضاء وأنصار فى الحكومة اللبنانية نفسها، وميليشيات تسيطر، فعليا، على الجنوب اللبنانى- كما تحاول حماس السيطرة على قطاع غزة- وبنية أساسية تقدم الرعاية الاجتماعية إلى الشيعة وهم أكبر الأقليات اللبنانية مستلبة دور السلطة الشرعية اللبنانية تماما على الجنوب اللبنانى، وفى أعقاب انسحاب القوات السورية من لبنان عام 2005، ظهرت قضية نزع سلاح حزب الله باعتبارها أهم القضايا فى السياسة اللبنانية، ونشطت الدعوات لـ"حزب الله" بالتخلى عن أسلحته للوصول لـ"اتفاق مصالحة" وطنية مما جعل "سمير فرنجية" عضو البرلمان اللبنانى إلى أن يقول: "لقد أصبح واضحا أن الدولة اللبنانية وحدها يجب أن تتحمل المسئولية لإدارة وحكم لبنان ويجب أن ينزع سلاح كل الأطراف"، لكن "حزب الله لن يتخلى عن "السلاح" لأنه يعرف أنه لو تخلى عن "السلاح" بمقتضى "اتفاق مصالحة"، سوف يتخلى فى نفس اللحظة عن فرض هيمنته وسلطته المطلقة على حكم الجنوب اللبنانى منتزعا حق السلطة اللبنانية الشرعية فى حكم لبنان، بالضبط كما تفرض "حماس" سلطتها على قطاع "غزة" منتزعة حق السلطة الفلسطينية الشرعية فى ممارسة حقها، وتعرف "حماس" أنها بقبول "اتفاق المصالحة" سوف تقبل بالضرورة فى نفس اللحظة بالتخلى عن فرض سيطرتها على قطاع غزة وإذا كانت "كتائب القسام" الجناح المسلح لـ"حماس" و"سرايا القدس" قد أعلنتا رفضهما حل نفسهما والاندماج فى الأجهزة الأمنية الفلسطينية وفق "ورقة المصالحة المصرية" التى رفضت تشكيل أية تشكيلات عسكرية خارج إطار الأجهزة الأمنية الفلسطينية لأن هذا يعنى نهاية هيمنة "حماس" على قطاع غزة كما أن نزع سلاح "حزب الله" سوف يعنى نهاية سيطرته على جنوب "لبنان"، وما بين "قطاع غزة" و"الجنوب اللبنانى" سوف تبقى دائما كل اتفاقات المصالحة مؤجلة إلى حين إشعار آخر.