لم يطلب منى الأستاذ محمد جوهر تغيير وجهة نظرى، بل وأكد لى أنه يحترمها، ولكنه مختلف مع طريقتى فى التعبير عنها، وقال لى اكتب ما تريد مستنداً إلى معلومات ودون هتاف.
كان ذلك منذ سنوات طويلة، كنت أعد برنامجاً ثقافياً على قناة المحور التى كان يتولى الأستاذ مسئولية برامجها. كنت قادما من صحافة تعتبر أن دورها الأساسى ليس المعلومة ولكن الهتاف السياسى، أقصد الصحافة الحزبية، وهذا طبيعى لأنها تعتبر نفسها لسان حال الحزب وبرنامجه السياسى، وبالتالى فليس مهماً مهنة الصحافة فى حد ذاتها، بمعنى أن دورها الأساسى هو الإخبار، وبجانبه الرأى، ولكن المهم هو الترويج للحزب، بالحق وبالباطل، ولعن السلطة الحاكمة بالحق وبالباطل، أى بشكل أو آخر انتقال مهنة صاحبة الجلالة إلى خانة الإعلان عن الموقف السياسى أيا كان.
حتى لا تظن بى السوء، فهذا ما تفعله الصحف التى تسيطر عليها الحكومة، فبدلا من تأدية دورها الحقيقى، باعتبارها مؤسسات يملكها عموم المصريين، ومن ثم فلابد أن تعبر عنهم جميعا، أصبح دورها الرئيسى الدعاية والإعلان للسلطة الحاكمة، ومنبراً لإطلاق النيران ضد خصومها.
هذا لا يعنى أن الصحافة الحزبية كلها سوءات، فالحقيقة أنها لعبت دورا فى منتهى الأهمية فى رفع السقف السياسى، ومهدت الأرض لانتقاد أصغر وأكبر مسئول فى البلد، كما أنها لعبت دورا غير مباشر فى تطوير الصحافة المسماة "قومية" التى اضطرت لدخول حلبة المنافسة معها.
أعود إلى الأستاذ جوهر الذى اختلفت كثيراً مع وجهات نظره السياسية بحدة، ولكن هذا لم يمنع أبداً أننى احترمته وأحببته بشكل استثنائى، وتعلمت فى شركته فيديو كايرو الكثير، منها خبرات تقنية تتعلق بالعمل التليفزيونى، واختلاف عن إيقاع الصحافة المطبوعة، كما أن البطل فيه دائما الصورة.. وهو المصور الشهير فقد كان مصور الرئيس السادات رحمه الله.
لكن الدرس الأكبر الذى شكل عقيدتى الصحفية فيما بعد، هو أن الإعلام ليس مهمته حشد وتعبئة الجماهير وكأنها قطيع، ولكن التأثير فيه والتفاعل معه، ومن ثم المساهمة الحقيقية فى بناء البلد، ولكن هذا من المستحيل أن يحدث لو كان ولاء الصحفى ليس للمهنة أولا.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة