كان المشهد كالتالى: وقف المحرر المسئول فى قاعة المحكمة، أمام كاميرات التليفزيون وميكروفونات مراسليها يرفع سى دى فى يده وهو يهدد نور الشريف وشركاه أن دليل براءته هنا.. ودليل إدانتهم أيضا فى سى دى غامض لا أحد يعرف ماذا يحمل من أدلة، صوتا أم صورة، مقاطع مثيرة أم اعترافات مخجلة!
لم يوقفه أحد بقوة القانون أو قوة الضمير ويطلب منه باسم الشرف، شرف مهنة الصحافة أو شرف المتهمين ويقول له من فضلك، هذا المستند ليس مكانه التلويح به فى قاعة المحكمة وأمام الإعلام، تفضل وأودعه فى مكتب النائب العام الآن وفورا.
> السى دى نفسه هو الذى يلوح به مرتضى منصور فى وجه أحمد شوبير!
وبداخله سر غامض يثير شهية المشاهدين فى صالة العرض فى انتظار انتهاء الكارتون ليبدأ عرض الفيلم المؤجل الذى سبقته دعاية ضخمة وإثارة مقصودة وجوع كبير إلى التفاصيل الممنوعة.
نفسها تلك الأسطوانة الفضية التى عرفناها فى مصر أول ماعرفناها فى الأسواق المسربة من مجهول تحمل فضيحة فى صورة مشاهد عارية كانت بطلتها راقصة معروفة ورجل أعمال شهير.
اخترع العالم السى دى من أجل حفظ وأرشفة ونقل المعلومات.. وابتكرنا له استخداما أروع وأقوى، حولناه إلى ديب فريزر لحفظ الفضيحة باردة طازجة جاهزة للالتهام فى اللحظة المناسبة .
أصبح السى دى على مائدة رؤساء تحرير الصحف والبرامج التليفزيونية عنوانا ساخنا سهلا فاضحا لافتا لنظر القراء والمشاهدين، فاستخدم فى إفراط مدهش خلال السنوات العشر الأخيرة فى عناوين الصفحات الأولى ومقدمات التوك شو .
> خمن؟ ماذا يخفى سى دى نور الشريف؟
هل : لقطات مشينة تم تصويرها خلسة للفنان الكبير وشركاه؟
إذا كان كذلك، من الذى استطاع أن يتسلل ويضع كاميرات خفية فى غرفة سميراميس: الصحيفة؟ جهة أمنية؟ الفندق؟ نور الشريف نفسه؟
خمن مرة أخرى: هل هى أدلة صوتية يحتفظ بها المحرر المسئول للحظة المناسبة؟
ما هى هذه المقاطع الصوتية التى يمكن أن تدين نور الشريف، هل اتصالات تليفونية، ومن الذى تورط وسجلها، ومن الذى تبرع ونشرها؟
ولا تخمن: لمصلحة من كل هذه الأضواء المدهشة التى تمنعنا من الرؤية الواضحة فى هذا التوقيت الصعب.
ما يحدث الآن على مسرح الأحداث أكبر بكثير من الأسماء التى تقوم بالبطولة، أكبر من نور الشريف وأبو النجا وشوبير ومرتضى، أعمق من هذا الغرق فى قضايا فردية لا تهم المجتمع بقدر ما تخص أصحابها، ولا يصح أن تأخذ كل هذه المساحة فى وسائل الإعلام التى نقلتها على الفور إلى البيوت وجعلتها أسئلة موجعة مؤلمة على لسان الأطفال والمراهقين والبنات والسيدات، مثل هذه القضايا حين تخرج من حيزها الضيق تفرز خلفها سقفا مرتفعا من الإباحية والانفلات فى بيوتنا لن يعود إلى مستواه الطبيعى الخجول مرة أخرى.
> فى قضية نور الشريف ليس المقصود كل هذه الاجتهادات التى حاولت تفسير ما حدث على أنه محاولة للإطاحة به وزملائه، أو تشويه الرموز المصرية تباعا وإسقاطها، أو عقابه كفنان لسبب أو لآخر من جهة ما داخل مصر أو من خارجها.
لقد عرفت التهمة نفسها طريقها إلى الكثير من الأسماء المعروفة والمسئولة ولم يتحرك أحد أو يخجل أحد أو يتوارى أحد!
الضربة موجهة هذه المرة لأجيال جديدة حالية وتالية، أصبحت تحمل عناوين الصحف التى تنشر وتفرط فى التفاصيل على صفحاتها الأولى فى حقائب الدراسة، وهو مبرر كاف لأن تناقش هذه الأجيال ثقافة الشذوذ بعناية وحرية، ببساطة وبدون حساسية، فتصبح متداولة هكذا دون جهد يذكر، لم ينتبه أحد فى نزوة السبق الصحفى والبحث عن جمهور، أن الملف المغلق فى خجل يفتح على مصراعيه للمناقشة بدون حدود أو رقابة، وأنه أصبح موضوع الساعة اليوم فى المدارس قبل الحصة الأولى وفى الجامعات بين محاضرة وأخرى!
أتاحت القضية بنشرها هكذا فى تمرير أخبار الشواذ فى العالم، ومناقشة علنية لأسباب الشذوذ ومشاعر الشاذ، وهل هو إنسان مريض يستحق الشفقة والعلاج، أم إنسان متهم يستحق الحزم والعقاب؟
وفى قضية شوبير ومرتضى، رفع سقف قواميس اللغة بين الأطفال فى غمرة اهتمامهم بقضية لاعب كرة مشهور ومحام معروف، والاثنان فى عرف المجتمع رمز وقدوة. وبفضول أضيفت الشتائم المتبادلة إلى حياتهم اليومية!
> توقعت موقفا أكثر عنفا وغضبا من نور الشريف فى دفاعه عن شرفه الذى خدش عمدا أمام الرأى العام، توقعت أن يعلق استمراره فى التمثيل إلى أن يضمن اعتذارا جادا وحاسما وفوريا من الدولة ومن الصحافة ومن الإعلام، توقعت أن يدين بوضوح قاس فكرة الشذوذ ولوبى الشواذ الذى أصبح له نفوذ يخشاه البعض!
ولا يكون الأمر مجرد ضحك كالبكاء من أجل إثبات قوته، أو بكاء كالضحك من أجل إظهار براءته.
توقعت الموقف ذاته من أحمد شوبير، وأن يقرر كزوج وأب قبل أن يكون لاعب كرة وناقدا رياضيا وعضو مجلس شعب فرض سرية على نشر قضية سب علنى لا تخص سوى شوبير ومرتضى منصور!
وتوقعت موقفا أكثر قوة من الأستاذ مكرم محمد أحمد نقيب الصحفيين، فيتلو ولو كان النداء الأخير إيقاف هذه الطبخة الصحفية المنشورة على الصفحات الأولى، دون انتظار لنتائج ترشيحه فى انتخابات النقابة القادمة بعد قليل.
> من هو صاحب السى دى التالى؟
من يرفع السقف أكثر وأبعد ويجعلنا غرباء فى هذا الوطن؟
ماهى التهمة القادمة التى تجعلنا نقطع المزيد من خيوط المبادئ والقيم التى نعيش عليها.. و نموت من أجلها!
لابد أن نغضب لما يحدث حولنا، وكل ما نفقده من أخلاق يوما بعد يوم.
اغضبوا أكثر.. فهذا أضعف الإيمان.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة