شعرت بسعادة طاغية عندما علمت أن مجلس الوزراء أعلن أو استعرض ملامح استراتيجية تطوير التعليم العالى، وتصورت ـ وبعض التصورات إثم ـ أن الحكومة اكتشفت مؤخرا أهمية العلم فى بناء التقدم وطلوع القمر والخروج من عنق الزجاجة، ومن فرط تصوراتى تخيلت أن الحكومة انتبهت إلى خطورة تخلف أحوالنا التعليمية، وشعرت بالخطر من خروج جامعات مصر جمعاء من أى ترتيب لجامعات العالم المتقدم أو حتى المتوسط. لكن خاب أملى وتاهت" براثنى" بين الإنشاء والتعبير الخالى من الاستراتيجية.
كان يجب علينا أن نشعر بالخطر من زمان.. وألا ننتظر حتى تخرج جامعاتنا من ترتيب الجامعات المعترف بها.. حيث لا توجد أى جامعة مصرية بين أهم 200 جامعة فى العالم، بينما هناك جامعتان إسرائيليتان، وهناك جامعة من أفريقيا بين أهم 50 جامعة فى العالم. وهى أرقام وتصنيفات تشير إلى أننا خرجنا من التاريخ ـ وكل خد عليه خوخة.
كان يجب أن تبدأ الاستراتيجية من هنا، من بحث أسباب تخلفنا الجامعى، أن نتحدث عن غياب الكوادر وشيوع الاستسهال، وتغييب القيم الجامعية والاستقلال وتبعية الأساتذة للحكومة، وشيوع توريث الوظائف العلمية بالواسطة وليس بالكفاءة والتفوق، وانخفاض دخول الأساتذة، مما أدى إلى انهيار البحث العلمى.
وقبل الحديث عن وضع البرامج والأطر والخطط يجب هدم كثير من الكيانات القائمة، وبنائها على أساس من الشفافية والنزاهة واحترام العلم، الذى هو الشىء الوحيد غير المحترم فى مصر، كيف يمكن أن تخلو الاستراتيجية من وضع حد للدروس الخصوصية التى شاعت وانتقلت من التعليم الأساسى إلى الجامعات، والأبحاث المنقولة، وخلافه.
الحكومة اجتمعت من أجل استعراض الاستراتيجية الكبرى للتعليم العالى، و"استراتيجية" كلمة فخمة تعنى أننا نفكر للأمام وليس فقط للوقت الحاضر.
لكن كل تصوراتى جاءت على شونة، لأن ما أعلن عنه مجلس الوزراء واستعرضه وزير التعليم العالى بدا بعيدا عما يمكن تسميته استراتيجية، ويقترب من الإنشاء والتعبير ورص المصطلحات التى ماتت من كثرة استخدامها ومن كثرة ترديدها بلا وعى ولا تكتيك.
الاستراتيجية التى يفترض أن الحكومة تضعها حتى عام 2022، تضم كلمات ضخمة من نوعية" أطر التعليم.. ومخرجات.. وتحقيق التوازن بين أعداد الخريجين ومواجهة تحدى الإتاحة للأعداد الكبيرة، والجودة" إلى آخر الكلام الذى لا يتجاوز الإجراءات البيروقراطية، ويخلو من أى حديث حقيقى عن البحث العلمى ودعم الكليات العلمية والأبحاث وتوفير ميزانيات لرفع أحوال الأساتذة والأكاديميين بما يمكنهم من البحث الذى هو أساس العلم. وإذا فكرنا فى هذه العناصر يمكن للأساتذة أن يحلوا مخرجات ومدخلات ومفرغات الحاجات.
إن فكرة ربط التعليم بالتوظيف واحتياجات المجتمع يدخل فى إطار توفير الكوادر الفنية للشركات والمصانع، هو أمر مهم، لكنه لا يرتبط بالتعليم العالى.
ولو تأملنا ملامح الخطة الاستراتيجية للتعليم العالى كما عرضها الدكتور هانى هلال سوف نجد كلاما أغلبه إنشاء، من عينة "تقوم الاستراتيجية على رؤية محورية حول تحقيق تعليم عالِ يدفع التنمية البشرية لمساهمة فعالة فى تطوير وتنمية المجتمع اقتصادياً وتكنولوجياً".. وهو كلام يمكن أن تسمعه عند الحديث عن استراتيجية الزراعة أو الصناعة أو البطيخ، لكن لا علاقة له بالاستراتيجية ولا بالتكتيك، ومن الصعب أن تضع استراتيجية قبل الاعتراف بأن هناك خطرا يهدد البحث العلمى وأن الجامعات لا تنتج خريجين، ولكن مجرد حملة شهادات، لأن المخرجات تعتمد على المدخلات.