فى الفيلم المصرى الشهير "بين الحياة والموت" يرسل المواطن المصرى أحمد إبراهيم (عماد حمدى) ابنته الطفلة لشراء دواء تركيب من صيدلية اللوتس بميدان العتبة، ويخطئ الصيدلى (حسين رياض) بدون قصد فى تركيبة الدواء، ويضع به أخطر أنواع السموم ويعطى الدواء للطفلة التى تحمله عائدة إلى أبيها الذى يعانى المرض فى لحظاته الأخيرة قبل الموت.
يكتشف الصيدلى خطأه الرهيب فيذهب إلى حكمدار بوليس العاصمة (يوسف وهبى) الذى يأمر بقطع البرنامج الموسيقى الذى تذيعه محطة الإذاعة، ويقبض على ميكروفون الإذاعة وبصوته الجهورى يوجه نداءه فتتلقفه آلاف أجهزة الراديو، وهو ينادى على المواطن المريض: "أحمد إبراهيم، لا تتناول الدواء، الدواء به سم قاتل".
وقبل تناول المواطن المريض الدواء المسموم بلحظات يأتيه صوت حكمدار العاصمة وهو يحذره، حيث كان المواطن المريض يضع الدواء على شفته ليهم بشربه ممنياً نفسه بالنجاة من الموت بشربه الدواء، لكنه ما أن يسمع صوت حكمدار العاصمة يحذره: "لا تتناول الدواء، الدواء به سم قاتل"، حتى تراجع فورا عن شرب الدواء، ومع أن المواطن المريض كان يعرف مثل كل المرضى أن الدواء مر، بل شديد المرارة، لكنه سوف ينقذه من الموت المحقق وهو هدف تتضاءل إلى جواره مرارة الدواء أيا كانت مرارته، لكن أن يكون فى الدواء سم قاتل، فهذا هو السبب الوحيد للتراجع فى اللحظات الأخيرة عن شرب الدواء.
هذا هو ما فعلته "حماس" مع التوقيع على اتفاق المصالحة الذى كان بمثابة الدواء المر الذى وصفته "الورقة المصرية" للمصالحة بين "فتح" و"حماس"، وقد يندهش البعض من قولنا إننا مع تراجع حماس عن توقيع الاتفاق بعد تحذير حكمدار المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية، ليس تأييدا لـ"حماس" ولا كراهية لـ"فتح" لكن حبا فى سوريا التى تعتبر "حماس" الورقة الأخيرة فى يدها للوصول إلى اتفاق عادل يعيد الأرض العربية ومنها "الجولان السورية" طبعا، فماذا يوجد فى "الورقة / الدواء" التى قدمتها مصر لحماس؟.
لو عرفنا الإجابة على هذا السؤال، فسوف نعرف السم الذى وضع فى الدواء، ويجب التراجع عن تعاطيه قبل تنفيذ الشرط اللازم لتناوله وفى التوقيت الأمثل لتناوله، فإذا تحقق الشرط اللازم فى التوقيت المناسب، فإن تناول الدواء سوف يكون حتميا ولا بديل عن تناوله، أما دون ذلك فإننا نضم صوتنا محذرين بأن "الدواء به سم قاتل" ليس لـ"حماس" ولكن لفكرة "الدولة الفلسطينية" والسلام الشامل والعادل.
قبل الدخول فى الحديث عن فحوى الورقة المصرية علينا أن نذكر بأن توقيت تنفيذ ما جاء بورقة المصالحة غير مناسب، وأن عدم وجود ضمانات كافية وحاسمة ومؤكدة لتنفيذ الاتفاق من كل القوى المعنية بالصراع الفلسطينى الإسرائيلى أمر ضرورى وليس اكتفاء بإشراف مصرى فقط مهما حاولت الورقة المصرية تغطية نفسها باتفاق عربى فقط بدون وجود آلية كافية وحاسمة ومؤكدة تستطيع أن تلزم وتتابع الطرفين، فسوف يبقى البئر محفورا، مع تأكيد الوقوع فى البئر والوصول إلى نقطة الصفر من جديد.
ومن هنا أهمية أن يتم تطوير منظمة التحرير الفلسطينية وإعادة تشكيل مؤسساتها بمشاركة الجميع، واعتبار ذلك بمثابة المفتاح لحل كافة القضايا الأخرى، وبمعنى واضح ولا لبس فيه مشاركة جميع القوى والفصائل فى عملية المصالحة والإصلاح والكف عن اعتماد الكوتة أو المحاصصة بين فتح وحماس فقط، وإلا فإن الدواء لن يكون شافياً، وسوف يبقى به دائماً سم قاتل لقيام الدولة الفلسطينية.