فجأة وبدون مقدمات قرر السادة المعروفون إعلاميا باسم "رؤساء التحرير الجدد" أن يضربوا الصحافة الخاصة ضربة رجل واحد لعل دمها يتفرق بين المؤسسات، فجأة وبدون مقدمات قرر السادة رؤساء تحرير صحف الحكومة أن يطلوا على القارئ بمقال يحمل ذات المضمون كل من شباكه وكل على طريقته، صحيح أن تشابه مقالات رؤساء تحرير صحف الحكومة أمر اعتاد عليه أهل المهنة والأذكياء من القراء، على اعتبار أن هذه الأقلام تكتب غالبا من ورقة تتضمن عناوين مطلوب رسميا ترويجها أو الدفاع عنها ويتم توزيعها عليهم بالتزامن مع الورقة الخاصة التى يقرأ منها خطباء الجمعة ما تريد الدولة أن يسمعه الناس.
هذه المرة اختلف الأمر تماما، حيث كانت المفاجأة فى أن الاتفاق على كتابة نفس المضمون فى صدر الصفحات الأولى للأهرام والأخبار والجمهورية وروز اليوسف كان اتفاقا شخصيا وبلا أى توجيهات عليا.. الأستاذ أسامة سرايا والأستاذ محمد على إبراهيم والأستاذ محمد بركات والأستاذ عبد الله كمال اتفقوا على أن يشكلوا درع حماية لعله يرحم صحفهم الحكومية من ضربات الانتقاد المتتالية، ومن خلف الدرع تنطلق سهام مغرضة للنيل من الصحف والفضائيات الخاصة.. ذلك المنافس الذى كشف عورة صحف الحكومة وفضح ضعفها.
المقالات الأربعة صورت ما يحدث فى الساحة الإعلامية الآن وكأنه مؤامرة للقضاء على الصحف المعروفة مجازا بإسم القومية، وانطلق رؤساء التحرير الأربعة فى ذكر محاسن الصحافة القومية وجمال المؤسسات القومية ورشاقة إصدارات المؤسسات التابعة للدولة وكأنهم يدللون على امرأة عانس، ولم ينس واحد منهم أن يذكر فى سطر هنا أو سطر هناك كيف أن الصحف الخاصة مازالت وليدة، فى نوع من المعايرة لا يمكنك أن تشاهده إلا على مصاطب حارة شعبية، لأن كون هذه الصحف مازالت تحبو لا يعيبها هذا فى شئ، خاصة بعد كل هذا النجاح الذى تحققه مقارنة بصحف ومؤسسات طاعنة فى السن وتصارع أمراض العجز المهنى، كما يصارع العجائز مياه الأمواج وقت الغرق، هذا بخلاف الكلام الكبير عن الكيفية التى تحافظ بها الصحف القومية على أمن البلد القومى فى مقابل الصحف الخاصة التى تسعى خلف الإثارة قبل كل شئ، وهو كلام رده عند القارئ الذى يصحو كل يوم من نومه ليقرأ فى صحف الحكومة كيف أن الحياة لونها بمبى بينما هو غارق فى بحور من الأمراض والفقر وتظلله سحابة الفساد والتلوث.
المقالات الأربعة بقدر ما تعكس الحس الكوميدى لرؤساء التحرير الجدد، تعكس أيضا تلك الحالة من الخوف الرهيب الذى يسيطر على قلوب رؤساء التحرير الحكوميين من حالة النشاط والنجاح والانتشار والتأثير الذى تحظى بها الصحف الخاصة، وتشير بكل وضوح إلى أن السادة الجالسين على رأس دولاب عمل صحف الأهرام والأخبار والجمهورية وروز اليوسف أصبحوا فى مأزق حقيقى وهم غير قادرين على مواكبة تطور الصحف الخاصة ونجاحها، وأصبحوا ظهرهم للحائط أمام السادة المسؤلين فى الحزب وفى الدولة وهم عاجزين عن صد الهجوم والإنتقادات المكثفة التى توجهها الصحف الخاصة للدولة وللحزب، أو مواجهة غضب القارئ الذى مل من الكذب وتزيييف الحقائق والتحامل على شعب كامل لمصلحة حكومة ونظام يتكون من عدة أشخاص.. هذه هى مشكلة الصحف القومية أن القارئ لا يحبها ولا يصدقها.. وليست أبدا المشكلة فى الصحف الخاصة التى تثير الفوضى كما يقولون لأن صحفهم لو كانت كبيرة ومؤثرة ستكون قادرة على إحتواء فوضى يخلقها 100 ألف جرنان خاص وليس ثلاثة أو أربعة.
مافعله رؤساء التحرير الأربعة يؤكد على أن اليوم السابع والمصرى اليوم والدستور والشروق وبرامج الفضائيات التى يعدها ويقدمها صحفيون من داخل هذه المؤسسات الخاصة تقلق منام الكبار فى هذه البلد وتثير خوف القابعين فى مؤسسة الدولة على مناصبهم، لدرجة أنهم ناقضوا أنفسهم وهم ينشرون على صدر صفحاتهم الأولى تشكيك وهجوم واضح لمؤسسات تشكل قطاع استثمارى خاص، بينما هم فى الصفحات الداخلية يكتبون المزيد عن عظمة القطاع الخاص، وجهد الدولة فى دعم القطاع الخاص، يعنى ببساطة يهاجمون الصحف الخاصة لأنها تهدد الاستثمارات بما تنشره بينما هم يطالبون بوضوح بالقضاء على قطاع استثمارى تتدفق فى أروقته مليارات الدولارات.. هل رأيت إرتباك أكثر من هذا؟ هل رأيت خوف وضعف مثل الذى يعيش فيه رؤساء التحرير الأربعة؟ إن أردت فما عليك إلا أن تعود لصحف اليوميين الماضيين لتقرأ ما كتبه الأساتذة محمد على إبراهيم وأسامة سرايا ومحمد بركات وعبد الله كمال لتدرك أن المقالات الأربعة ما هى إلا محاولة من غريق للتعلق بأى قشة حتى ولو كانت هذه القشة هى التسول بإسم الأمن القومى للبلد ذلك المفهوم المطاط الذى يلائم كل المقاسات من أول "لارج" حتى "إكس إكس إكس لارج".. والحدق يفهم !!
ملحوظة:
أى ذكر لمصطلح رؤساء التحرير الجدد أو رؤساء تحرير صحف الدولة لا يتضمن اسم كل من حمدى رزق وطارق حسن لأن من نجح فى خلق المصور والأهرام المسائى من العدم وتطوير تلك الصحف الميتة لا يمكن بأى حال من الأحوال أن نذكر أسماءهم فى هذا الإطار.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة