سيقولون إن القطارات تتصادم وتنقلب فى كل أنحاء العالم، ويسارعون باتهام جاموسة، أو وابور جاز أو جزرة، وينتهى الأمر باتهام للسائق وعامل التحويلة، أو السيمافور، الذى ربما ذهب لشرب الشاى أو قضاء حاجة. وتحويلهم إلى محاكمة عاجلة، والحكم عليهم بالسجن. ولن يعرف أحد السبب الحقيقى لتصادم قطارى العياط ووفاة العشرات وإصابة العشرات. وهذا هو الفرق بيننا وبين الدول التى يقول مسئولو وزارة النقل أو الحكومة إن الحوادث تحدث فيها.
سوف نسمع أن "رئيس الوزراء تفقد موقع الحادث، وأمر بصرف التعويضات، وأن الرئيس يطلب تقريراً عن الحادث، وأن وزير النقل محمد منصور قطع زيارته، وانتقل إلى مكان الحادث. ويتم انتداب لجنة فنية من خبراء القطارات، وهندسة الحوادث، وميكانيكا الكوارث، ليعاينوا ويجتمعوا، ويتناقشوا وينتهى الأمر بتقرير يبرئ الجميع ويدين واحد ميت أو هارب مفترض، وينام الحال على ماهو عليه. وعلى المتضرر عدم ركوب القطارات.
وطبعا تعليمات عليا بتوفير كل الرعاية للجرحى وأسرهم. ولو كانت الرعاية وصلت للضحايا قبل أن يكونوا ضحايا، ولو تفقد رئيس الوزراء القطارات قبل الحادث أو ركب المترو أو القطار، أو قطع الوزير ندواته ليزور هذه الأماكن، ربما لتغيرت أشياء كثيرة. لكن هؤلاء المواطنين يعاملون على أنهم كائنات زائدة عن الحاجة، يمكن التخلص منها بدون خسائر كثيرة.
حدث هذا ويحدث، وسيحدث، مع القطارات، والمترو، ولا تحسب النجاة تمشى تبع الخطط الموضوعة، وإنما بالقضاء والقدر، ولأن كل القطارات، لا تنقلب مع بعضها. وقد خصصت الحكومة عدة مليارات من أجل التطوير، وأعلن عن شراء جرارات جديدة، وإنشاء إشارات ضوئية وحساسات إلكترونية، وبقيت القطارات تتصادم، وتنقلب.
لن نعرف السبب الحقيقى للحادث، ولا المسئول عن وقوع الكارثة. وسوف نعرف ونتيقن أن كل الخطط والتحركات والتصريحات عن أمان القطارات وتطوير الجرارات، مجرد كلام للاستهلاك الإعلامى، أو الإعلانى تماما مثل إعلانات طارق نور عن القطارات "اللى هى ملكنا.. ولازم نقول للغلط لأ"، بينما هى الغلط نفسه الذى يجب أن نقول له لأ. قطارات موجودة فقط فى الإعلانات والتصريحات والأحلام. ولن توجد طالما وجد الإهمال والضحك على الذقون.
الخطر ليس فى تصادم القطارات وانقلابها واحتراقها، لكن فى كون هذه الجرائم لاتقودنا أبدا إلى الفاعل الأصلى، مع أنها ترتكب يوميا ضد المواطنين مصحوبة بطنطنة وغناء عن الخطط الموضوعة، التى نكتشف أنها لا خطط ولا موضوعة. وقد اعتدنا أن نتعامل مع حوادث الطرق مثلما نتعامل مع قزقزة اللب. ونرى الإهمال واضحا، دون أن نستطيع الإمساك به. ولا نرى وزيرا للنقل يخرج على الناس ليعلن أنه المسئول الأول عن كل قطار يمشى فى مصر، وليس عن القطارات السليمة فقط. وفى الأحلام فقط أن نرى وزيرا يستقيل.
ربما ونحن نبحث عن مصل أنفلونزا الخنازير، نحتاج إلى مصل للإهمال والفساد، وضد الوزراء الذين لا يستقيلون، قد يكون أسهل لو استطعنا استيراد مصل مضاد لانقلاب القطارات، لكن المشكلة أننا لن نعرف ما إذا كنا فى حاجة لتطعيم، القطارات أم السائقون أم عمال السيمافور والتحويلات، أم نطعم الركاب. أو الوزراء. أم الحكومة كلها، حتى يمكن لرئيس الوزراء أو الوزير المختص الاعتراف بالمسئولية عن هذه الجرائم.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة