برغم أننى لا أريد إطلاقاً أن يشعر أى شخص بالاستفزاز والغيظ والحسرة والتشاؤم والغضب، إلا أننى مضطرة لأن أدعو كل قارىء لأن يحصل على كتاب اللغة العربية للصف الخامس الابتدائى من أحد أبنائه أو أبناء معارفه، ليقرأ تفاصيل أول درس فى الكتاب، أى أول ما يقذفه جهابذة التعليم فى بلدنا الحبيب فى وجه التلميذ ذى العشرة أعوام، ملخص الدرس كالآتى: «يذهب أمير إلى مدرسته فى أول يوم من العام الدراسى، يرحب المدرس بكل التلاميذ، تنتهى الفترة الأولى ويدخل المدرس الثانى ليرحب بتلاميذ الفصل دون إضافة، وينتهى اليوم الدراسى دون فائدة، فى طريق عودته إلى المنزل يشعر أمير بالضيق ويسترجع فى ذاكرته أول يوم من العام الدراسى الماضى، عندما كان يعيش مع أسرته فى بلد أجنبى، إذ كان هذا اليوم يوماً جميلاً سعيداً مليئا بالأنشطة»، انتهى الدرس يا..
ما هذا بالله عليكم؟! ما هذه الرسالة العبقرية التى أراد مؤلف الدرس العبقرى أن يُرسِّخها فى عقل كل طفل مصرى فى هذا السن؟ بأى تفسير منطقى أو غير منطقى، ليس هناك إلا رسالة واحدة: «أيها التلاميذ التعساء.. من سوء حظكم وحظ أسركم التعيسة أنكم تعيشون هنا فى مصر.. إما أن ترضوا بالملل والاكتئاب أو تهربوا فوراً إلى الجنة، ولاجنة هنا أيها الـ.. بل فى البلاد الأجنبية!» كادت الأم التى نبهتنى لهذا الدرس أن تبكى؛ فمنذ سنوات رفضت لأبنائها أن يتعلموا فى مدارس دولية خوفاً من أن تبعدهم عن ثقافتهم وهويتهم المصرية بقلة ساعات دروس العربى والدين، واليوم سألت ابنتها: ماذا تعلمت من هذا الدرس؟ ردت المصرية الصغيرة: إن هناك (البلاد الأجنبية) أحسن من هنا، حتى وإن كانت هذه هى الحقيقة المؤلمة، فالفرق شاسع بين أن يصدقها بالغ قادرعلى التمييز وأن يتربى عليها طفل يُنتظر منه أن يكون الأمل فى تغييرها.
حاولت جاهدة أن أجد تبريراً أو حتى سبباً صغيراً قد يكون أدى بالمؤلف إلى كتابة هذا الدرس »العميق«، فلم أجد ما يثلج فوران عقلى ناهيك عن قلبى. . الجهل؟ لا، لأن أى مواطن حتى إن كان أُمياً، لايخلو فكره من أبسط مشاعرالوطنية التى تحول دون كتابة هذا الكلام الفارغ لأطفال. .الإحباط؟ لا، لأن واضعى المناهج على مستوى رفيع من التعليم والثقافة (كما يؤكد المسئولون دائماً)، ما يجعلهم قادرين حتماً أن يفصلوا بين حالتهم ومتاعبهم النفسية والمسئولية الهائلة التى يتحملونها فى تأهيل جيل كامل لقيادة مصر.. الرحمة؟ ربما أراد المؤلف الرحيم أن ينقذ هؤلاء الصغارمن قَدَره الذى أملى عليه السِجن فى هذا البلد، فأراد أن ينبههم إلى ضرورة الخلاص بالهجرة الفورية؟ التآمر والخيانة؟ لا أستطيع أن ألقى بهذه التهمة دون دليل قاطع، لأن هذه التهمة خطيرة تصل عقوبتها للإعدام، وحتى لا يتصور أحد أننى من أنصار نظرية المؤامرة. لم يبق إلا أن عقلى الضعيف لا يرقى إلى عبقرية المؤلف لأفهم أهدافه، أستحلف أى قارىء يستطيع أن يتوصل إلى سبب منطقى أن يثلج به صدرى.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة