فجأة. قرر مجدى الجلاد فى «المصرى اليوم».. «أن نذهب إلى مطار القاهرة ونستقبل منتخب كرة القدم الجزائرى.. بوردة!».. وقرر حسن المستكاوى فى الشروق الجديد.. «يجب أن نبعد شياطين الإثارة بين البلدين مهما كانت النتيجة».
المقدمة بالطبع عن مباراة كرة القدم الفاصلة بين الفريق المصرى والجزائرى فى نقطة التحول إلى نهائيات كأس العالم يوم 14 نوفمبر القادم.
مبادرتان يرفعهما الجلاد والمستكاوى فى وقت حرج!
أرجو أن نتفق أولا على:
لم يعد لدينا شىء حقيقى نفرح به كإنجاز وطنى وقوى، غير الفوز فى مباراة كرة قدم مهمة ومصيرية- كتلك- نعلن بها أننا لايزال لدينا قوة ومهارة وصحوة ونخوة نحولها إلى انتصار.
نجحت الحكومات المتتالية فى أن تختصر ثقتنا فى أنفسنا إلى ما نحصل عليه من مشاعر صادقة وصافية بعد الفوز بمباراة تاريخية «حسب وصف نقاد كرة القدم».
الفوز بهذه المباراة تحديدا هو نوع من التحدى الكبير الذى يؤكد أن هناك دائما أملا، وأنه ليس هناك مع الجهد والإرادة.. مستحيل، وأنه فى نهاية النفق المظلم الطويل، ينتظرنا مصباح نور، يؤكد أنه لا يصح إلا الصحيح.
فى كرة القدم المنافسة القوية تصل إلى حد الحياة والموت، وهى حق مشروع لكل لاعب وكل مدرب وكل فريق ، ولا يصح ولا يجب أن نمنح هذه المنافسة حقنة مهدئة، أو نستهلك هذه الطاقة فى مبادرات تبدو أخلاقية ورومانسية، لكنها فى الواقع لن تحول المشجعين- من الطرفين- إلى ملائكة.. بقدرما تستهلك من رهبة الخوف التى تنتظر الفريق المنافس!
ما هو المعنى فى أن هذه المباراة الفاصلة تقام على أرضنا فى ستاد القاهرة، وأننا نبدو الأقرب للفوز على الرغم من حاجتنا إلى ثلاثة أهدف وهى مهمة صعبة؟
المعنى هو أن الفريق المنافس الجزائرى- وهو فريق كرة قدم قوى وعنيد وشرس ومقاتل- يجب أن يأتى إلى القاهرة، وهو خائف من هذا الجمهور الكبير المنتظر- مايقرب من مائة ألف مشجع- وأن تكون الحرب النفسية جزء من خطة الفوز، وهذا الضغط النفسى هو نصف الطريق إلى فوزنا فى المباراة ونصف الطريق لهزيمتهم، وإلا.. ليس هناك معنى أن نلعب على أرضنا ووسط جمهورنا، وأن يحسب هدف الخصم هدفين، وأن تقام المباراة الفاصلة فى حال التعادل فى النقاط على أرض محايدة.
كان مدهشا- ومزعجا الحقيقة- أن أقرأ تعليقات مشجعة لمبادرتى الجلاد والمستكاوى تغيظ فعلا من عينة.. «حتى لو وصل الفريق الجزائرى إلى كأس العالم فهو فريق عربى، يجب أن نفرح لهذا الإنجاز».. وأسأل وأكاد انفجر: طب ومصر ياناس؟ وهل هذا كلام يقال قبل المباراة الفاصلة بأقل من ثلاثة أسابيع؟!
وانفجر أكثر.. وأقرأ نفاقا أكثر للمبادرتين على لسان مسئولين فى كرة القدم المصرية .. «إنها مباراة كرة قدم وحتى لو انهزمنا فيجب أن نتحلى بالروح الرياضية ونشجع اللعبة الحلوة».. وهنا خلط بين الروح الرياضية التى تبدأ بعد المباراة، فنتقبل بها النتيجة مهما كانت.. وروح اللامبالاة التى تعزف قبل المباراة، فتمهد للهزيمة بشعارت مكسورة!
كل يوم تتصاعد المبادرتان- فى المصرى اليوم والشروق الجديد- كأنها سيمفونية تمهد لهزيمة مبكرة.. وأقرأ مداخلات سطحية توجع القلب تبدأ بعبارة.. «مباراة وتعدى».. لاحظ أنه أصبح مقصودا الآن أن تصبح مباراة وتعدى لأسباب غير معروفة أو معلنة، وهى رسالة مشفرة إلى لاعبينا فى الفريق القومى، تختصر كثيرا من طاقتهم وقوتهم وحماسهم للمباراة، وتعفيهم من الهزيمة والمسئولية لا قدر الله فى حال حدوثها، وتنتهى المداخلات والتعليقات بشعار.. «الإخوة الجزائريين»، والحقيقة أنا لم أعرف عن الإخوة الجزائريين -ولى فيهم أصدقاء- أنهم يتمنون لنا من قلوبهم الخير فى أى مباراة فى كرة القدم، وهناك بلاد أخرى عربية لا يتمنون لنا فقط الهزيمة، إنما يفرحون بها ويفرحون لها ويدعون الله قبل كل مباراة كرة قدم بالهزيمة المرة لمنتخب مصر لأن.. «خسارة فينا نفرح».
ويمكن الرجوع فى ذلك إلى المصريين المغتربين فى الخارج، ليحكوا لنا الليالى السوداء التى يعيشونها بسبب سخرية الإخوة والأشقاء العرب فى أوقات الهزيمة فى مباريات كرة القدم!
14 نوفمبر 2009 ليست مجرد مباراة عادية عابرة، الفريق المصرى- فريقنا الوطنى وجمهوره- يحب أن يفوز، ويجب أن يبذل كل طاقته وإمكاناته للفوز، ومنها حماسنا له وقدرتنا على اختصار الروح المعنوية للفريق الجزائرى، وهو مالن يتحقق إذا مهدنا الطريق له على أنها زيارة ترفيهية وسياحية، كما أعلن مدربه فى تصريحات مستفزة أكثر من مرة، وللفريق الجزائرى.. هى مباراة ثأر معتادة، فرحتها فرحتان: الوصول إلى كأس العالم، والفوز على الفريق المصرى.
الفوز فى أى تنافس يعتمد على أن تخدع المنافس، فتصور له أن قوتك أكبر، وسطوتك أعظم، وأن أرضك بجمهورها وحماسهم ورهبتهم هى اللاعب الأول، وليس معروفا -خاصة فى مدرجات كرة القدم- أننا جمهور مشاغب، لكن يجب أن نظل جمهورا ثائرا مشتعلا، يرغب فى الفوز وهزيمة الخصم مهما كان الثمن!
ومبادرتا الحب المفرط.. هما مبادرتا حب من طرف واحد، نعلن بهما بكل وكامل قوانا العقلية أننا.. «أطيب من كده مافيش».. ولم أجد صدى حقيقيا وموازيا لهما فى الإعلام أو الشارع الجزائرى- فقط ما تنشره «المصرى اليوم» و«الشروق الجديد»- يؤكد أنهما يحملان لنا نفس المشاعر الطيبة!
وحتى لا ننسى.
الإعلام الجزائرى هو الذى صور المعلم حسن شحاتة على أنه عروس بفستان الفرح يوم 14 نوفمبر، وأن المدرب الجزائرى هو العريس ليلة الدخلة.. والمعنى واضح ومفهوم وغير مقبول.
الإعلام الجزائرى هو الذى وضع قائمة سوداء لعدد من نقاد ونجوم الرياضة فى مصر، كل جريمتم أنهم تمنوا فوز المنتخب المصرى وهزيمة المنتخب الجزائرى.
الإعلام الجزائرى هو الذى كتب عن اللاعب المصرى أبو تريكة أنه لاعب محترم، لأنه بسذاجة لا تناسب مهمته وقامته ومركزه فى الفريق المصرى، صرح ما يفهم منه أنه.. «الجزائر يستحق الوصول إلى كأس العالم».. ولو كانت التصريحات محرفة، أو ليست له لماذا لم ينصحه أحد بنفيها!
هناك صفة جميلة اسمها النخوة.. فهى كادت تتلاشى للأسف فى حياتنا اليومية ، فأنا على الأقل أتمنى أن تبقى فى مناسباتنا ومنافساتنا، دون أن نختشى منها أو نخشى عليها!
مباراة 14 نوفمبر ليست مهرجانا رياضيا نتبادل فيه الورود والعبارات الملونة الناعمة قبل المباراة، ولا هى موقعة سياسية يجب أن نفسرها بضرورة الحفاظ على مشاعر الإخوة بين البلدين، ولتذهب المنافسة بين الفريقين إلى الجحيم، ويذهب الفوز السهل إلى الفريق المنافس.
إنها مباراة ومنتظرة ،وننتظر منها الكثير، فوزنا له معنى، وفرحنا له معنى، فى طقس يسوده الاكتئاب بشكل كبير، ومنظر عام للوطن يحتله الحزن والحيرة والخوف واليأس.. نحتاج إلى الفوز. هذا الفوز بالذات.
ولنؤجل الورود والعبارات الطيبة والمبادرات الغامضة إلى ما بعد المباراة.. والفوز الكبير لفريقنا إن شاء الله.. بالعرق وبالدعاء وبالحماس أيضا!
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة