أحسد الكاتب الكبير الأستاذ محمد حسنين هيكل - متعه الله بالصحة- على حيويته وهو فى السادسة والثمانين من عمره، وأنظر إليه بإجلال واحترام طوال الوقت، حتى لو اختلفت مع ما يقول، وأنظر إلى منتقديه من الشتامين، الذين يعتبرونه مخرفا (أنور الهوارى فى الأهرام المسائى) والـ«ألعبان» (عبدالله كمال فى روزااليوسف) وما إلى ذلك، على أنهم غير قادرين على التواصل مع أحد، لأنهم بجرة قلم يشطبون على تاريخ حافل بالجهد والإخلاص والتناقضات أيضا، الحوار الذى أجراه مجدى الجلاد مع هيكل فى المصرى اليوم أظهر مدى الانقسام والاحتقان فى العمل العام فى مصر، وأكد صعوبة الحوار حول موضوع يهم الجميع، ووصل الأمر إلى دخول وزير الإنتاج الحربى فى الموضوع، قائلا: كما نشرت روزا «إذا كان محمد حسنين هيكل نسى وطنه فليعلم أن ذلك خيانة وإذا كان قد نسى التاريخ فلننشر له ما يخفيه»، اجتهادات الأستاذ فى الحوار هى اجتهادات مشروعة، لأنها تخص المستقبل، ويكفى -رغم عدم اقتناعى بها- أنها أخذتنا بعيدا عن مرتضى منصور وأحمد شوبير وعلاء صادق ومدحت شلبى وقضية الفنان الكبير نور الشريف وقضاياهم التى باتت «قومية»، وجعلتنا لأول مرة نستطلع آراء النخبة حول مستقبل الحكم ومستقبل مصر، هيكل اقترح إنشاء «مجلس أمناء للدولة والدستور» واقترح 12 اسما محترما ذا قيمة أجمع الناس عليهم، على رأسهم محمد البرادعى وأحمد زويل وعمر سليمان ومحمد غنيم، تكون مهمته «النظرية» إعادة بناء الدولة وترتيب عملية انتقال السلطة، ويكون دور المجلس انتقاليا لثلاث سنوات، وتكون هناك وزارة يرأسها المهندس رشيد محمد رشيد ويكون يوسف بطرس غالى نائبا له (لا تعرف بأمارة إيه؟)، ويتم كل هذا بإشراف السيد الرئيس شخصيا، وهذا يعنى -كما قال صلاح منتصر فى المصرى اليوم- أن الأستاذ تنبه إلى ضرورة وجود شرعية تسند الاقتراح، وأنه لم يجد فى الدستور ما يضمن له ذلك، فلجأ إلى شخص الرئيس يطلب ضمانه وحمايته، وكأن شرعية الرئيس لا تستند إلى الدستور نفسه الذى يطالب هيكل بتخطيه، ولم يرد على لسانه -كما قال عبدالمنعم سعيد فى الأهرام- ذكر أو تساؤل عن موقع المجلس المقترح من الدستور الحالى وما ورد فيه من أساليب للتغيير والتعديل، وكأن مثل هذا التجاهل والتجاوز من طبيعة الأشياء، والمادة 189 من الدستور تحدد من له الحق فى طلب التعديلات الدستورية، وهما رئيس الجمهورية ومجلس الشعب، والمادة 194 التى تعطى لمجلس الشورى الحق فى الموافقة على الاقتراحات الخاصة بتعديل مادة أو أكثر من مواد الدستور، ولم يوضح الأستاذ -كما قال حسن نافعة- ما إذا كان يقترح تزويد المجلس بصلاحيات تنفيذية أم سيكون مجرد مجلس «للتفكير»؟، فمن المتوقع أن يصبح فى هذه الحالة أقرب إلى الهيئات الاستشارية غير الفاعلة منه إلى الهيئات التنفيذية المخولة باتخاذ القرار، وأيضا غموض العلاقة بين كل من رئيس الجمهورية ورئيس «مجلس إدارة الدولة» ورئيس الوزراء، ولم يحلل لنا ردود الأفعال المتوقعة من جانب الأوساط التى راهنت ولا تزال، على جمال مبارك باعتباره الرئيس القادم بعد تفاؤله باحتمال تخلى السيد الرئيس عن مشروع التوريث، وفى الوقت الذى نتحدث فيه عن المجلس المقترح كان مبارك الابن يتحدث باسم مصر فى جامعة جنوب الوادى ويتفقد مشروعات التطوير والتنمية فى الأقصر!.
المجلس المقترح يذكرنا بمجلس قيادة الثورة، فقد كان مكونا من 12 شخصا، وكان عازما على الجلوس ثلاث سنوات فقط، لوضع نظام دستورى جديد للدولة، وكان الأستاذ هيكل فيلسوف الثورة، ووضعت على يديه دساتير (56، 58، 64، 1971) والتى يقوم عليها الدستور الحالى، الذى لا يحترمه الأستاذ هيكل، ويبدو -كما قال سلامة أحمد سلامة فى الشروق- أن هذه ليست أكثر من بالونات اختبار!.