مروة الشربينى ضحية العنف العنصرى والعرقى والدينى فى الغرب، وفى الشرق أيضا. فى ألمانيا من هم مثل مروة، وهنا من هم مثل آليكس. ولعل الذين يتابعون محاكمة القاتل فى محكمة دريسدن يدركون إلى أى مدى يمكن أن يحصل المواطن على حقه من خلال نظام قضائى لا يتأثر بالدعاية أو الغضب.
هناك حالة من التعاطف مع قضية مروة الشربينى من الألمان، سواء الشهود أو الأطباء الشرعيين أو القاضى الذى كان يحكم فى قضية مروة ضد القاتل. "توم ماتسفيزكى"، الذى بكى وهو يدلى بشهادته ثلاث مرات وقال إن مروة كانت سيدة هادئة ولم تكن عدائية، ولم تنطق ضد الكسندر بأى ألفاظ رغم أنه سبها، وحرصت على أن تاخذ حقها فى المحكمة وليس بذراعها. كما يطالب بعض العنصريين عندنا ممن نبتت لهم أفواه فى عقولهم ، فلا يفرقون بين الثرثرة والكلام.
يلفت النظر أيضا فى قضية مروة الشربينى أن رئيس المحكمة التى تنظر الدعوة بيرجيت فيجاند امرأة، كما أن الطبيبة التى تابعت حالة مروة أدلت بشهادتها "كريستين إيرفورت" امرأة أيضا، ورئيسة ألمانيا هى أيضا امرأة، وهو أمر لاشك يثير الكثير من الدهشة لدى بعض متطرفينا الذين لايختلفون عن آليكس وهم يرفضون تماما أن تتولى المرأة أى منصب وتحديدا القضاء، ويريدون أن يخبئوا النساء فى قمقم. وهذه مجرد ملاحظة جانبية تشير إلى أن العدالة يمكن أن تتحقق بيد امرأة، وأن العدالة فى ألمانيا ربما كانت أفضل من كثير من الدول التى تحمل اسم الإسلام وليس فيها من الأصل نظام قضائى.
ملاحظة أخرى، أن ألمانيا فيها متطرفين نازيين أو معادين للأجانب، وهذا لم يحجب شعور الأغلبية هناك برفض هذا، ويظهر هذا من أداء الشهود وسير الدعوى والمحلفين .. جميعا يشعرون بأن المتهم بقتل مروة الشربينى فعل ذلك عمدا، وظهر هذا فى شهادة الطبيبة التى قالت إن الإصابات كانت قاتلة ولم يكن فى وسع مروة أن تنجو. وهذا من شأنه أن يضاعف من عقوبة الجانى الذى حاول ممارسة "الاستهبال"، والادعاء بأنه مجنون وهو أمر نفاه الشهود بمن فيهم القاضى الذى بكى وهو يروى كيف ارتكب القاتل جريمته.
كل هذا يشكك فى محاولات العداء لألمانيا، بينما هو عداء متطرف لايجب أن يواجه بعنصرية وتطرف، وأقصد بذلك تلك الفتوى التى أصدرها شخص مجهول يطلق على نفسه اسم شيخ يزعم بإهدار دم قاتل مروة، وهذا الشخص يسىء إلى مروة وإلى الإسلام، بل إنه يضيع القضية الرئيسية، التى تقول إن مروة كانت مثالا محترما للإسلام والمسلمين وليست مثل هؤلاء البدائيين الذين يمارسون عنفا وعنصرية توازى أو تقارب ما فعله آليكس العنصرى.
هؤلاء المدعون الذين يزعمون الحديث باسم مروة يضرون بقضيتها بقدر ما يفيدها شهود وقضاة وأطباء تعاطفوا معها وشهدوا لصالحها، فى مواجهة مجرم متعصب لا يرى غير نفسه. مثلما يفعل من يستسهلون إصدار فتاوى إهدار الدم وهم لايعرفون من الإسلام ما يكفى لينظفوا أنفسهم.
تأمل ردود أفعال قاتل مروة المدعو آليكس، وطريقته فى التعبير وأداءه، ترى أنه متطرف ومريض، ليس مريضا نفسيا يستحق الهرب لكنه مريض بالعنصرية والتطرف والتعصب، ومثل أدائه ستجد متطرفين من كل الأديان لهم نفس السحنة ونفس التعبير.
وفى المقابل تأمل أداء مروة وابتسامتها وسلوكها، وإنسانيتها، وهى تشبه وجوه القاضية والشهود، والمحلفين .. الاعتدال له سمات وللتطرف والعنصرية سمات، ولاعلاقة هنا بالدين أو العرق .. قاتل مروة موجود مثله بيننا، لكنه لا يرى نفسه لأنه عنصرى ومتعصب. لأنه لايرى إلا نفسه.