انتظر مجلس الشعب أن تتصادم القطارات ليأخذ باله من أن جزءا من أموال تطوير القطارات صرف على الإعلانات، التى قال الدكتور زكريا عزمى إنها تصور المواطنين فى صورة اللصوص. ولو لم يقع التصادم فى العياط لم يكن المجلس الموقر ليتذكر هذه الإعلانات. صمت البرلمان طوال كل هذه المدة وبعد خراب "مالطة والعياط" استيقظ ليستنكر إهدار الأموال على الإعلانات. مع أن أحد أدوار "الموقر" مراقبة إنفاق الأموال التى هى عامة. ماذا كان يحدث لو أعلن الدكتور زكريا استنكاره للإعلانات قبل أن تتصادم القطارات؟
لم تكن قضية الإعلانات فقط هى التى كشفت عن غياب دور البرلمان، لكن أيضا اتضح أن لجنة النقل بالموقر أعدت توصيات بعد لجنة تقصى الحقائق عقب حريق قطار الصعيد 2002، وهذه التوصيات نامت فى الأدراج كما نام ما قبلها. وكأن دور مجلس الشعب هو إصدار التوصيات، ليخرجها فى كل مرة ويقول "التوصيات معايا".
ولا يمكن اعتبار استقالة أو إقالة وزير النقل تكفى، ولكن كما قال الدكتور مفيد أن المسئولية تضامنية، فليس أقل من أن تتضامن الحكومة مع وزير النقل وترحل، ولا مانع من البحث عمن يتحمل المسئولية السياسية والدستورية، ويعلن البرلمان أنه شريك فى قتل الضحايا، لأنه تفرج مثل المواطنين على إعلانات إهدار المال العام ولم يقل للغلط "لأ". ثم أنه لا يزال يتفرج على إعلانات الحكومة دون أن يتحرك. ويكتفى الموقر عقب كل كارثة بإخراج تقرير ليثبت للمواطنين أنه قام بدوره على أكمل وجه، بينما هو تفرج على الكوارث مثل أى متفرج أمام التلفزيون.
لقد شاهدنا نواب الحزب الوطنى فى البرلمان الموقر وهم يصفقون لوزارة النقل، وعندما طلب الدكتور زكريا منهم عدم التصفيق توقفوا، كأن شيئا لم يحدث، بما يشير إلى أنهم يتجهون مع الريح، ولم يفكر أى منهم فى أن يطلب سحب الثقة من الحكومة أو الوزير، لأنهم لا يتصورون أن من أعمال المجلس شيئا غير التصفيق والموافقة. وانتظار التعليمات من الحزب والحكومة والرئيس.
وفى أفضل الأحوال يشكل البرلمان لجانا لتقصى الحقائق، تكتب تقارير توضع فى الأدراج لتخرج مع كل كارثة وتذكر الناس بأنها قالت ونبهت وحذرت.. ثم نامت. وربما كان المجلس "الميمون" يفكر فى إصدار تقارير وتوصيات لجان تقصى الحقائق، ضمن الأعمال الكاملة للكوارث، لتطرح فى مهرجان الكوارث للجميع. لقد رحل وزير النقل لكن أسباب تصادم القطارات قائمة، ولا يزال البرلمان والحكومة يتفرجون على إعلانات "الغلط لأ"، ولم يقولوا "عيب". وتفرج البرلمان ولم يعترض، حتى وقعت الواقعة.
كان مجلس الشعب يحتاج إلى حادث القطار ليكتشف إهدار أموال على إعلانات لا علاقة لها بالقطارات، وربما يحتاج إلى مزيد من القطارات المتصادمة والمحترقة ليعرف أن إنفاق 350 مليون جنيه على إعلانات غلط يستحق أن يقول له "لأ وألف لأ". لكنهم ينتظرون كارثة جديدة ليعلنوا أن التوصيات فى أدراجهم. ويتقصون الحقائق على أنفسهم.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة