لست من الذين ينزعجون من التنصير، وأندهش من الذين يتعاملون معه بحساسية، مثلما أندهش من الذين ينزعجون من الأسلمة، رغم أنه من حق أى مواطن أن يختار الديانة التى يؤمن بها، فهذا حق من حقوق الإنسان التى كفلتها المواثيق الدولية، والدستور المصرى، بالإضافة إلى أن الأديان منحت الناس هذا الحق "من شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر".. ناهيك عن أنه ليس منطقياً ولا يليق بأى دين أن نحوله إلى معتقل الداخل فيه مولود والخارج منه مفقود.
الانتقال من دين إلى آخر يحدث طوال الوقت وعلى امتداد التاريخ، وكل ما يحدث الآن أنه أصبح علنيا. أذكر أن المرة الأولى التى نشرت فيه الصحافة كلاماً عن التنصير، كان منذ حوالى 15 عاما، عندما كتب عنه السيناريست المعروف فايز غالى فى مجلة روز اليوسف، وكانت مفاجأة، لأن هذه المنطقة كانت من المحظورات، أما الآن بعد الانتشار الواسع لوسائل الاتصال أصبح من المستحيل إخفاء أى شىء، ما أقصده أن التغيير الوحيد هو أن ما كان يدور فى السر أصبح علنياً.
هذا الانزعاج لا يقتصر على أصحاب الديانات، ولكنه يمتد إلى المذاهب داخل الدين الواحد، فقد شن البعض هجوماً فى مؤتمر العقيدة الأرثوذكسية ضد ما سموه الغزو من قبل مذاهب أخرى، ناهيك عن الهجوم الدائم على الأنبا مكسيموس، أضف الصراع بين رجال الدين السنة والشيعة، وتصوير الأمر باعتباره حرباً لابد أن يكون فيها منتصر ومهزوم.
وهذا غير صحيح، فمن المستحيل فى زمننا أن تعتقل بعضاً من الناس وتجبرهم على اعتناق أى عقيدة دون إرادتهم، وبما أن الأمر كذلك، فليس أمامنا سوى الاعتراف بحق الإنسان فى أن يعتقد ما يشاء. لكن هذا الحق لا يمكن أن يكتمل دون الاعتراف بحق دعوة الآخرين إلى ما يتصور أى إنسان أنه الصحيح، وبالتالى فالكلام حول حملات التنصير والأسلمة وغزو الكنيسة وخطط المواجهة يحتاج إلى إعادة نظر.
هذا لا يعنى أن حق دعوة الآخرين لما تتصور أنه الصحيح مطلق، ولكنه مشروط بعد الإساءة لمعتقدات المختلفين، وأن تكون هذه الدعوة بشكل سلمى، وأظن أن استقرار هذه الحقوق والواجبات سيصوننا من معارك لا طائل من ورائها سوى الخراب.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة