قبل أن تقرأ
يوم الخميس للأشخاص ولا شىء آخر.. للأشرار الذين يجعلون من هذه الحياة خندقا ضيقا لا يطاق، اللصوص وأهل الفساد والنفاق، أو أولئك الرائعون الذين يجعلون منها فضاء واسعا للعدل والحرية والاحترام.. ولأن هذا الخميس هو الأول فكان لابد أن نبدأ بواحد من أعضاء القائمة الأخيرة.. واحد من أولئك الرائعين.. واحد من أولئك الساخرين اللى بجد.. أولاد البلد بجد..عم محمود السعدنى..
فى مدينة الأساطير وعلى بعد شارعين من ميدانها العام سهل جدا أن تلمح تلك اليافطة الإعلانية التى تصرخ بأنوارها النيون لتقول لك هنا مقهى المبدعين.. هناك لا تأخذ لنفسك كرسيا ولا تسرع بالجلوس قبل أن ترمى التماسى على العمدة ولا تسأل عن مكانه، فذلك إن لم يكن جهلا فهو خطأ عظيم، فمن حيث تصدر الضحكات وتظهر بوادر حرب الإفيهات والقفشات يكون هو جالسا، ولا تتصفح الوجوه لتعرفه فمن يقول منهم "العبد لله" اعلم تماما أنك أصبحت أمام العنوان الصحيح.. هو محمود السعدنى بشحمه ولحمه بسماره واسترساله.. بملامح وجهه التى تصدمك حينما تدرك أنه ضحك عليك وضربك على قفاك دون أن تشعر، فلا هو ولد شقى ولا يحزنون، فصلعته السمراء كافية لأن تمنحه الوقار الذى يطرده من ملعب الشقاوة بلا رجعة.
غير أن خمسة دقايق فى حضرة حواديت هذا الرجل مع استحضار كل مقلب وملعوب قرأته فى "ملاعيب الولد الشقى" كافية لتدرك أن شقاوة هذا الرجل الأسمر تسكن فى قلمه، وبالمناسبة قلم محمود السعدنى لا يتمتع بشقاوة الإفيه الضاحك أو الضحكة قصيرة المدى، فمتعة شقاوته تكمن فى أن إفيه السعدنى وضحكته طويلة المدى لا تمنحك الصهللة والجللة مباشرة، ولكنها تمنحك إحساسا بالراحة والرغبة فى الابتسام طالما أنت غارق بين سطور كتبه التى غالبا ما كان معظمها من القطع المتوسط.. خفيف الحجم، خفيف الروح، عظيم القيمة.
قد تكون المسافات السنية أو العمرية بينى وبين الولد الشقى أبعد مما يتخيل، فبينما كنت أمرح بالشورت والمصاصة فى شوارع بلدنا كان لعم السعدنى صولات وجولات فى عالم الصحافة والسياسة، غير أن ذلك العجوز ولا أعرف كيف استطاع بمهارة شديدة أن يستولى على عقول العشريناتية، فلا تسأل أحدا من ملاك العشرين سنة أو أكثر إلا وتجده قد قرأ كتب هذا الرجل ويبتسم وهو يقول لك "ده كتبه كلها عندى فى البيت من أول.." الطريق إلى زمش، وأمريكا ياويكا، ومصر من تانى، وملاعيب الولد الشقى، والموكوس فى بلاد الفلوس" ويظل يسمع لك قائمة كتب السعدنى حتى تتمنى من داخلك أن يصمت، لأنك تحفظ هذه العناوين عن ظهر قلب.
يمكنك بثقة أن تعتبر محمود السعدنى كاتب شباب هذا الجيل ،حتى وإن كان بالصدفة فهو يقدم فى سطور كتبه ما يريده، شاب اقترب من العشرين أو تخطاها بقليل.. مزيج من السياسة مع السخرية والحواديت التى لا تخلو من المعلومات مع أسلوب أقل ما يوصف به أنه رائع من شدة سهولته.. تلك هى المعادلة الصعبة أو الطبخة التى قدمها محمود السعدنى والتهمها الشباب دون أن يخطط هو لذلك، وبالمناسبة هذه الطبخة التى قدمها السعدنى بلذاذة وسهولة مازال الكثيرون يصيبهم الدوخة والحيرة من أجل صنع ولو طبق واحد منها.
الولد الشقى وحواديت قهوته ومقالبه وسخريته ولغته البسيطة مثل طبق الجيلى تستمتع بطعمه وتشعر برعشته وهى تهدد عقلك وقلبك وتدفعك دون أن تدرى لتصبح قارئا نهما، ولتضع قدمك اليمنى على سلمة المعرفة الأولى وقبل أن تخطو تلك "السلمة" يبقى أن تستدير وترفع قبعتك وتنحنى انحناءة طويلة كنوع من التقدير لعمنا الكبير محمود السعدنى.. ويصبرنا على البلاوى السودة اللى بتكتب اليومين دول وتحمل توقيعات العديد من الكتاب الساخرين..
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة