نعم أتمنى أن يفوز الفريق الوطنى المصرى ويصعد إلى كأس العالم، دون أن أشعر بأى كراهية لإخوتنا الجزائريين، ولا ألوم جزائريا ينحاز لفريق وطنه، وارى ذلك نوعا من الوطنية، لكنى أكره أن تتحول المباراة إلى اختبار فى التدين أو الوطنية.
منذ اشتعال الحرب الكروية بين مصر والجزائر، رأينا كلا الفريقين يلجأ إلى الله بالدعوات أن ينصر فريقه، فالمصريون يدعون من قلوبهم أن يحصل فريقهم على جائزة الصعود لكأس العالم، ونفس الأمر مع الجزائر. مع أن دين الأغلبية فى البلدين هو الإسلام، بما يعنى أنهما يتوجهان توجها واحدا.
وفى مصر انضمت الكنيسة المصرية أيضا فى الدعاء للفريق الوطنى، لتكون الدعوات إلى الله من مسلمى مصر ومسيحييها، لكن هل يعنى هذا أن الفريق الفائز أكثر إيمانا؟.
كل هذا يثير الكثير من الأسئلة عن إدخال الدين فى الكرة مثلما تم إدخاله فى السياسة، وإذا كان المصريون يأملون فى فوز فريقهم، فإن الشعوب تراهن على الفرق بالتدريب والمثابرة، ولا يعنى فوز فريق على آخر أن الفائز أكثر إيمانا، وإلا كانت دولا مثل البرازيل وألمانيا أكثر إيمانا من فرقنا التى تحمل فرقها ألقابا مثل الساجدين. والدين مثل الوطنية إيجابى يساهم فى ترقية مشاعر البشر وإنسانيتهم، والتعصب فيه ضار ومدمر أحيانا.
لقد عانت كل من مصر والجزائر من أمرين متشابهين، التسلط السياسى، والتوظيف السياسى للدين، وشرب المصريون والجزائريون من كأس الإرهاب كثيرا، وخسر الشعبان المصرى والجزائرى أبرياء فى معركة طاحنة دارت بين الأمن والجماعات الدينية، التى كفرت حكوماتها وأنظمتها، بينما هذه الأنظمة خونت تلك الجماعات، وخسرت الجزائر أكثر.
لكن مصر أيضا كانت ضحية توظيف الدين بفهم خاطئ، وتسلط السياسة بشكل لا يحتمل.
والإنسان يلجا إلى الله فى الملمات ويطلب منه العون ويتوكل عليه لكن أحيانا تلتبس الأمور كثيرا، خاصة فى أمر مثل مباراة اليوم بين مصر والجزائر التى يرمى فيها كل بلد بكل ثقله من أجل نصرة فريقه، ويتجاوز الجموع المنافسة إلى ما يقارب الحرب، ومثل كل تعصب، فقد دخل الدين على الخط، وارتفعت الدعوات من هنا وهناك تطلب من الله النصر، ولا يمكن القول أن الفائز هو أكثر قربا من الله.
وسبحان الله لا يمكن أن يزعم زاعم أنه لا يستجيب للدعوات التى ندعوها طوال سنين على منابر الجمعة، وفى الحج والعمرة بأن ينصر الله الإسلام والمسلمين، بينما نرى الواقع غير ما نطلب، ويبرر البعض الفشل، ويفسرون عدم النصر بأنه غضب من الله، مع أنهم لا يمكن أن يوافقوا على من يقول لهم إن الله ربما كان راضيا عن أعدائهم وبالتالى لا ينصرهم.
بينما البعض قد يرى أن هذا من التواكل والمبالغة فى التدين الشكلى الذى بلغ بنا أن نوظف الدين بسطحية فى كل شىء حتى فى الكرة، وإذا أردنا أن نمدح فريقنا نقول إنه منتخب الساجدين بينما من بين أعضائه من هم ليسوا مسلمين، كما أن فرقا كبرى مثل البرازيل والأرجنتين وأبطال كأس العالم لا يحملون مثل هذه الصفات ولا يؤمنون بما نؤمن لكنهم يخصون فى عملهم وفى تدريبهم، وبالتالى يستحقون النصر بالاجتهاد والإتقان، والله يمنح كل عباده الرزق والتوفيق على قدر إتقانهم، وإخلاصهم وليس فقط من أجل ما يظهرونه، لكن التعصب يعمى عن رؤية الحق، ويجعل من الصعب التفرقة بين الحق والباطل، فتجد من يقتل باسم الدين، ومن يزعم الحديث باسم الدين، وهو ما ظهر فى مصر والجزائر عندما تسبب التعصب والفهم الخاطئ فى كوارث راح ضحيتها أبرياء.
ولا يمكن لعاقل أن يحدد مدى إيمان المصريين أو الجزائريين أو وطنيتهم، من مباراة لكرة القدم، سوف تنتهى بعد ساعات لتعود الأمور كما كانت.
ويمكن بالطبع أن يحلم كل شعب بفوز فريقه من دون أن يدخل الدين أو الوطنية فى المباراة التى تقوم على اللعب والمنافسة.
ونفس الأمر مع رفع الأعلام، الذى يمثل انحيازا للوطنية، لكنه قد يفقد الوطنية معناها، ولكل مصرى وجزائرى أن يرفع علم بلاده، ويعرف أنه ليس فى مواجهة عدو، إنما مجرد خصم فى مباراة، ومن سنوات ونحن نرى دولا تصعد إلى كأس العالم، وتكسب أو تخسر، دون أن تقوم حروب أو تجيش جيوش، لكن وسط التعصب يصبح هذا الكلام بلا معنى لأن أحدا ليس لديه الاستعداد ليسمع أو يناقش.
وندعو الله أن تمر هذه المباراة على خير وأن يحمى الله مصر والجزائر من التسلط والتعصب.. وأن يعيد الأخوة بين البلدين.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة