لم يعد مؤتمر الحزب الوطنى الذى يختتم أعماله أمس اليوم الاثنين مجرد حدث حزبى خاص بالحزب الحاكم أو مناسبة لظهور جمال مبارك وفريقه لاستعراض عضلات الفكر الجديد، أو مجرد موسم لهطول التصريحات التى تخرج من فم المسئولين وردية وتصل إلى أحضان المواطنين دبلانة وبأشواكها كمان، ردود الفعل على أحداث المؤتمر السنوى الأخير وحالة الفوران الإخبارية والتنبؤية التى سبقت موعد عقد المؤتمر السادس بشهور تؤكد أن المعارضة بتياراتها المختلفة تكفلت بتحويل هذا الحدث الحزبى إلى أهم حدث سياسى فى مصر من خلال كمية التكهنات والتنبؤات التى منحت لهذا المؤتمر الشكلى أكبر من حجمه فى خدمة دعائية يفشل طارق نور بجلالة قدره فى تقديمها للحزب.. فلا شئ آخر سوى تكهنات تيارات المعارضة هو الذى جعل للمؤتمر السنوى للحزب الوطنى هذه القيمة.
شائعات المعارضة عن المؤتمر السنوى للحزب الوطنى هى التى خيلت للناس فى الشوارع أن مستقبل هذه البلد مرتبط بالمؤتمر مع أن المؤتمر نفسه ما هو إلى شو إعلامى ابتدعه رجال الحرس الجديد فى إطار النيولوك الذى صاحب ظهور جمال مبارك فى قائمة القيادات، فالمعارضة المصرية على مختلف أشكالها هى التى تؤكد كل عام وتشدد على التأكيد وكأنها حصلت على النتيجة من الكنترول أن مؤتمر هذه السنة هو الخطوة الأخيرة لتنصيب جمال مبارك رئيسا، وأن مؤتمر هذه السنة سيتبعه تعديلات وزارية واسعة النطاق، وأن مؤتمر هذه السنة سيتبعه تغيير شبه واسع للمحافظين، وأن مؤتمر هذه السنة سيشهد تحديد الرئيس لموقفه من الترشح للرئاسة، وأن مؤتمر هذه السنة سيشهد تغييرات على نطاق واسع فى قيادات الحزب مع أنهم يعلمون جيدا أنه لا شئ يتم فى مصر إلا بقرار الرئيس، وقرار الرئيس لا علاقة له غالبا بمؤتمرات حزب ولا مجلس وزراء والدليل قرار تعديل الدستور الذى فاجئ الجميع من المساعى المشكورة..
ويتزامن مع هذه الشائعات والتنبؤات المكررة ظهور عدد من الحركات السياسية الجديدة وانتعاش غير مسبوق فى سوق المعارضة بخلق ائتلافات جديدة وتنسيقات حديثة من أجل اختيار مرشح منافس لمرشح الحزب الوطنى ومواجهة توريث جمال مبارك.. يتكرر هذا الكلام كل سنة فيعلو سقف توقعات المواطنين فى الشوارع ثم ينزل على جذور رقبته مكسورا حينما يكتشف الناس أن المؤتمر عقد وانفض دون أن يترك أى أثر سوى تلك التصريحات التى تتحدث عن أزهى عصر الحرية ووعود الرخاء والازدهار، وينهار مع تلك التوقعات كل الحركات السياسية التي عقد عليها الناس أمال مواجهة النظام الحالى، ومع مرور سنة وراء الأخرى ومؤتمر وراء الأخر يتحول شك الناس فى جدية المعارضة وقوة الأحزاب إلى كفر بين خاصة وهم يشاهدون حالة الهرج والهطل التى تدب فى صفوف الأحزاب والحركات السياسية كلما اقترب موسم الانتخابات البرلمانية والرئاسية والذى يشهد غالبا تنافسا قويا على لقب الزعيم المعارض، وربما أصبح أمر كفر الناس بحركات المعارضة أشد رسوخا هذا العام من ذى قبل فى ظل مشاهدتهم لقيادات الأحزاب والحركات السياسية وهم يتصارعون على الزعامة ويفشلون على مدار أكثر من 5 شهور فى اختيار مرشح واحد يجتمعون تحت رايته.
فالأحزاب منقسمة على نفسها قسمين كل منها فى وادى، وكفاية بعد التحديث فى وادٍ آخر، وأيمن نور فى وادى تالت يواصل معاركه الشخصية مرة مع عبد الحليم قنديل ومرة مع رجب هلال حميدة، وحركة شباب 6 أبريل تعيش فى وادى إلكترونى بعيد عن الأرض الصلبة، لا تعاون ولا اتفاق بل خلافات كل الضرب فيها من تحت الحزام كل حزب يكذب الآخر وكل حركة تخون الأخرى، فالتجمع والناصرى والوفد يعملون بمفردهم ويرفضون الإخوان ويعتبرون 6 أبريل شوية عيال، والإخوان مشغولين بأحداث مكتب الإرشاد وحركة 6 أبريل ترى الكل خونة وعملاء، وحزب الجبهة حائر ما بين هؤلاء ودكهم أو العمل منفردا.
وحتى حينما تكتب الصحف عن ظهور ائتلاف جديد للمعارضة تقرأ فى نفس اليوم، ولكن فى صحيفة أخرى خبر وفاته أو حدوث انشقاقات بداخله، وربما يفسر كل الكلام السابق ظهور هذا الكم الهائل من الوثائق والتحالفات والحركات خلال هذه الشهور القليلة التى سبقت المؤتمر السنوى للحزب الوطنى، فهذه حركة "الحملة المصرية ضد التوريث" الذين فشلوا فى منحها شعارا بعد خناقة مدوية بسبب "مايحكمشى"، وهذا يسمى "الائتلاف المصرى من أجل التغيير" الذى لا يصدر عنه سوى تصريحات عبد الحليم قنديل، وهذه حركة تحمل اسم "تحالف مصريون من أجل انتخابات حرة وسليمة" وغيرها وغيرها من الافتكاسات.. الغريب أن كل هذه الحركات والائتلافات تخرج علينا بتوصيات مختلفة بشكل يوحى بأن هؤلاء البشر ليجلسوا مع بعضهم وإن جلسوا يهتفون فقط دون أن يسمع أحد منهم للآخر، رغم أن أعضاءها هم نفس الأشخاص تقريبا، وتنتهى هذه الحركات والائتلافات قبل أن يعرفها الجمهور، إما بسبب الخناقة على زعامتها أو بسبب اقتراحتها الغير مدروسة التى وصلت إلى درجة الدعوة التى أطلقها عبد الحليم قنديل لمقاطعة الانتخابات البرلمانية القادمة واعتبار المشارك فيها خائنا وهى دعوة غريب وعجيب أن تصدر من حركات سياسية معارضة تريد أن تقصى الرئيس عن موقعه.
على الجانب الآخر يواصل السادة فى الحزب الوطنى تقديم تلك الصورة الهادئة المتزنة والتى تخلو من الصراعات للجمهور الذى مل من انشقاقات ومشاكل الأحزاب والمعارك الدائرة داخلها على وانقسامات كل حركة سياسية على نفسها.. يمكنك أن تلاحظ ذلك فى الصور المصاحبة للموضوع، تلك الصورة التى يظهر فيها الرئيس مبارك مجتمعا بزكريا عزمى وصفوت الشريف وجمال مبارك وأحمد عز قيادات الحزب الوطنى فى مجلس يشبه مجلس الحرب، وتغزو ترابيزة الاجتماعات الكثير من الأوراق والأجهزة الحديثة التى تشير إلى أن هؤلاء الناس يتعاملون مع الأمور بجدية ويسيرون على خطوط متفق عليها مسبقا ويدركون ماذا يفعلون حتى ولو كان فى غير صالح الشعب.
على عكس الصور التى يظهر فيها قيادات الأحزاب والحركات السياسية إما منفعلين وصارخين مثل مشاهد نور مع رجب حميدة أو مشاهد عبد الحليم قنديل على الفضائيات، أو تصريحات رفعت السعيد ضد أبو العز الحريرى، أو كلام شباب 6 أبريل فى أى مجال، أو فى حالة خناق جماعى دائم بسبب عدم الاتفاق على اسم مرشح لمواجهة مرشح الحزب الوطنى .. فى دلالة واضحة على أن قوم الحزب الوطنى بيطبخوا طبخة يعرفون مقاديرها جيدا بغض النظر عن طعمها الذى سيكون مرا فى أفواه المواطنين الغلابة ومحدودى الدخل بينما القوم فى جبهة المعارضة بيعجنوا ويلتوا دون هدف واضح.. وبالتالى وطبقا للسابق من الكلام يتم تأخير أى ميعاد لحدوث تغيير وإصلاح فى مصر إلى وقت لاحق، لا يعلمه إلا الله، مع الوضع القائم على ما هو عليه.. الحزب الوطنى والنظام الحالى على كراسى الحكم يطلقون الكثير من التصريحات والوعود التى لا تتحقق، وأهل المعارضة على الفضائيات وصدر الصفحات الأولى يؤسسون لحركات وتجمعات ويصدرون وثائق متشابه لإنقاذ الوطن مع الكثير من الصراخ، بينما المواطنون الغلابة ليس لهم إلا الحيط..يخبطوا دماغهم فيهم!
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة