أكرم القصاص

مصر والجزائر.. التافه يرفع إيده

الأربعاء، 25 نوفمبر 2009 11:56 ص

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
انتهت مباراة الكرة، واندلعت مباراة التفاهة والجهل بين مصريين وجزائريين. وحدث تقريبا ما توقعناه وانفجرت مجارير الصرف فى بعض وسائل إعلام مصر والجزائر، وتقدم الصفوف الأكثر جبنا والأكثر جهلا. وكما هو معروف فإن الجهل يعطى صاحبه يقينا. ويسهل له التجرؤ على أى شىء، وقد كانت مباراة مصر والجزائر، هى كلمة السر التى انفجرت بعدها مواسير الصرف الإعلامى وألقت بكل ما يمكن من مواد متحللة. ولنا أن نتخيل جهلاء تحولوا فى غمضة عين إلى خبراء فى علم الكلام، فأطلقوا على الجزائريين ألفاظا وأوصافا غير لائقة، وتصدى لهم جهلاء من الجانب الآخر. والضحية فى الجانبين هو الجمهور والشعب، فى مصر والجزائر، الذى يشعر بالاشمئزاز من فرق السب والقذف والجهل، التى كلما زاد جهل أعضائها كانت قدرتهم على إطلاق الشتائم أكثر غزارة.

كنا نتمنى أن يتوقف هذا السيل من الشتائم الذى يسىء للبلدين، لكنه واضح أن كتائب الجهل فى الجانبين تأبى إلا أن تواصل إلقاء قاذوراتها.

وقد رأينا فى مصر من يتجرأ ويسىء إلى شهداء الجزائر مع أنه لا علاقة لهم بالأمر، وكنت أتصور أن الجهل عندنا زائد، لكنى اكتشفت أن الجهل معد، وهناك فى الجزائر كاتب أو مجموعة من الكتاب الجزائريين ينتقون أحط أنواع الشتائم التى يحاولون فيها أن يسحبوا من مصر وجودها، فمصر عندهم هى أحفاد فيفى عبده، وأن الشاب خالد أو مامى أفضل من أم كلثوم. واندلع كاتب يسمى بغال لينتقى من الشتائم ما يكفى للقضاء على الأكسجين وأرهق نفسه فى إثبات أن مصر ليس فيها أى علم ولا فن ولا حضارة وأنها مجموعة من الهمج والأميين والتافهين، وأن مصر لم تحارب ولم تنتصر ولا حاجة، وألقى البغال بأكوام من القمامة.

ولأن الطيور على أشكالها تقع فقد نشرت جريدة الشروق الجزائرية مقالات لناس يفترض أنهم متعلمون ومع بعضهم شهادات عالية. أحد هؤلاء أرهق هو الآخر نفسه فى البحث عن طريقة ليلغى بها مصر من الوجود، فالمصريون عبيد وخونة الخ. ولا أريد أن استشهد بشتائم حتى لا أثير غضب الشتامين عندنا، من أمثال البغال الذين وصفوا الجزائريين بأنهم بربر وهمج، ولا يعلم الجهلاء أن البربر ليست شتمة وإنما وصف لعرق، وأن من البربر طارق بن زياد، وأن الجزائريين وإن كان منهم بربر أو أمازيغ فإنهم ليسوا همجا على الإطلاق، بل هم شعب له ميزاته وعيوبه مثل كل شعوب الأرض، ومن بينه خرج مليون شهيد كان يجب على جهلائنا أن يحترموهم. كما أن المصريين ليسوا عبيدا ولا حاجة، ومصر بالفعل دولة لها حضارتها وأهم ما فيها أنها تعترف دائما بإنجازات الآخرين، ولم يكن الأستاذ بغال فى حاجة للبحث عن اسم عالم جزائرى فى أمريكا ليثبت لنا أن الجزائر ولادة لأنها هكذا بالفعل، ويحفظ المصريون أسماء أبطال من الجزاءر والمغرب العربى مثل الأمير عبد القادر الجزائرى، وكانت قصيدة الشابى إذا الشعب يوماً أراد الحياة تدرس فى مدارس مصر، ويعرف المثقفون أسماء كتاب جزائريين مبدعين ربما لا يعرفهم بغال نفسه مثل الطاهر وطار وكاتب ياسين وواسينى الأعرج وغيرهم، بل إن جزءا من حضارة مصر قدرتها على الاستيعاب، ولا نحتاج أن نذكر علماء وكتابا ومبدعين وفنانين مصريين، ولن نجادل الأستاذ البغال فى قوله إن الشاب خالد أهم من أم كلثوم ونجاة وعبد الوهاب، لأن عليه أن يسأل الجزائريين وهم شعب ذواق ولا يحتاج إلى أمثال البغال ليتعرف على الموسيقى. والمصريون أحبوا الشاب خالد واستمعوا إليه، دون أن يستغنوا عن أم كلثوم أو عبد الوهاب أو فيروز أو صباح.

خلاصة القول إن الجهلاء فى الطرفين حولوا مباراة فى الكرة إلى حرب فى الكراهية، وهى حرب بعيدة عن روح الشعب المصرى والجزائرى، وربما كان من قبيل التنكيت أن يذكر بغال أو أمثاله أن الشعب المصرى جبان يعيش فى القبور أو فى الفساد، لأنه لو نظر حوله أو قرأ جريدة الشروق نفسها سيجد موضوعات تنتقد التركيز على الكرة والتشويش على قضايا العاطلين والفساد والعملة والهجرة.

والحقيقة أن هؤلاء هم مشعلو الحريق من البداية وكان من المكن منذ بداية خلاف مصر والجزائر أن يتم الاحتكام للمنطق لكنه غاب فى ضجيج صنعته جماعة السب العلنى من اللاعبين السابقين أو المعلقين الذين لا يفرق الواحد فيهم بين الملعب والميكروفون.

وكلما كادت الأمور تهدا وتدخل فى طريق الاستقرار فإذا بأحد كبار الجهلاء يخرج ليلقى ما فى جوفه متصورا أنه يكتب أو يتحدث، فيهين شعبا ويشتم أشقاء، دون أن يشعر بأنه يفعل شيئا مشينا أو مرفوضا. وهى شتائم تثير هياج المتعصبين فى الجهة الأخرى لينطلقوا فى رد شتائمى تسقط فيه هيبة الشعبين المصرى والجزائرى، وتؤذى مشاعر الأغلبية البريئة من الطرفين.

ووسط الزحام اختفى تقريبا الكثير من أصحاب العقول الذين لن يستمع لهم أحد، وسط عواء السادة "الرداحين". وكما ظهر عندنا من يشتم الشهداء الجزائريين، ظهر فى الجزائر من يلقى بكل أوحاله على مصر ويصفها بأنها بلد المخنثين، بل والأميين أيضا، وربما لا يعلم التافهون أن الأمية ليست العجز عن القراءة والكتابة بل العجز عن التمييز بين المباراة والحرب. ولا مصر والجزائر فى حاجة إلى هؤلاء الجهلاء ليذكروا محاسنها، بل هى فى حاجة لأن يلقم كل من هؤلاء حذاءا ليصمت حتى لايسيء لهما. فهل يصمت الجهلاء قليلا.






مشاركة






الرجوع الى أعلى الصفحة