ومثلما أصبح العيد مناسبة للنصائح الطبية والدينية والاجتماعية، لا تأكل، لا تبوس، لا تتزاحم. أصبح منذ سنوات مناسبة للحديث عن التحرش وتحذير المتحرشين، قبل العيد، وكأنهم ينشطون ذاكرة المتحرشين. ولا نعرف لماذا أصبح التحرش مرتبطا بعيدى الفطر والأضحى. هل هو الزحام؟
معروف أن الزحام فى مصر وفى القاهرة متوافر طوال العام، وهناك أماكن مزدحمة بالضرورة، ومع ذلك لا نسمع عن التحرش فى غير الأعياد. ليس لأنه موجود، ولكن لأن الإعلام يتذكره و"يبروزه" ويسلط عليه الأضواء، بينما يتجاهل ظاهرة مستمرة طوال العام. وفى أماكن كثيرة غير الميادين الرئيسية. ثم أنه لا يتوقف على الرجال المتحرشين. ومع ذلك سمعنا عن التحرش الجماعى. والمقصود به وقوع حوادث متكررة فى وقت واحد، أو مشاركة عدد كبير من الشباب فى مطاردة عدد من الفتيات. ويتنوع الأمر بين المعاكسات الشفوية بألفاظ خادشة، أو مد الأيدى والتحرش المادى.
وجرت العادة منذ اختراع حدوتة التحرش فى الأعياد أن تصدر تحذيرات أمنية للمتحرشين، وتأكيدات بأنهم تحت المراقبة. ومع هذا لا يتوقف التحرش، والجديد أن حديقة الحيوان أعلنت أنها وضعت كاميرات مراقبة لمنع التحرش، وسبقت العيد تصريحات أمنية تعلن وجود رجال الأمن المتخفين لمراقبة المتحرشين والقبض عليهم.
ومع كل هذه التحذيرات هناك دائما متحرشون لأن التركيز على الأمر انتهى إلى إلقاء مسئولية المكافحة على عاتق أجهزة الأمن، مع أنها وإن كانت معنية بما هو ظاهر. لا يمكنها معالجة أسبابها، فهى تعالج الأعراض وليس الأسباب. بينما المعنى بالأسباب هو نظام الحكم بحكومته وحزبه الحاكم. هؤلاء الذين يتجاهلون ملايين العاطلين والمكبوتين والعوانس من الجنسين. ومع الكبت والضغط والحرارة تتولد تفاعلات كيماوية وظواهر فيزيائية تصنع العنف والجريمة والتحرش أيضا. والذى يفسره البعض بأنه يرجع لنقص التدين، أو يرجعون سببه إلى ملابس البنات، دون أن ينتبهوا إلى أن المتحرشين لا يفرقون بين محجبة أو غير محجبة، ويفسره فريق ثالث بأنه استمرار للنظرة الدونية إلى المرأة، دون أن ينتبهوا إلى الأسباب الاجتماعية والاقتصادية والنفسية التى تقود إلى ذلك.
أما التطور الجديد فهو إعلان حديقة الحيوان عن تركيب كاميرات مراقبة لمنع التحرش. وقد كانت حديقة الحيوان لفترة طويلة مكانا للعشاق والمخطوبين، وهناك عشرات الأفلام القديمة كان الأبطال فيها يلتقون عند جبلاية القرود، أو الزراف. أو رحلات لمدارس رأينا نور الشريف وعادل إمام وقبلهما إسماعيل ياسين وغيرهم. لكن حديقة الحيوان التى كانت الأرخص والأنسب للحب والمواعدة، تحولت مع الخصخصة وتأجيرها لشركات ومطاعم طردت العشاق، وحل مكانهم المتحرشون. وجزء من محاصرة المشاعر ينتج عنه مزيدا من المتحرشين الذين يعيثون فى الأرض تحرشا.
ومع تركيب كاميرات منع التحرش فى حديقة الحيوان، سوف يتغير الأمر، لأن الكاميرات لن تفرق بين عاشق ومتحرش، أو رومانسى وواقعى، وفى حالة تعميمها سوف تضاف إلى كاميرات المرور التى تراقب المخالفين دون الحاجة إلى عساكر المرور، ويتم مراقبة المتحرشين. وكلها خطوات لا نعرف ما إذا كانت مجدية أم سوف تتحول إلى ديكور سرعان ما يختفى ليعود التحرش ويزدهر. وتفقد الكاميرات سطوتها، وتفقد التحذيرات قوتها طالما بقيت الأسباب، الكبت والفقر والبطالة. فالتحرش لا يفيد ولا يتوقف، والكاميرات أيضا.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة