أما أنها ثورة، فهى ثورة، لكنها ثورة على الزبالة، ونحن نعلم أن المصطلحات امتهنت لدرجة أن شركات النظافة أصبحت تساهم فى نشر الزبالة، والتساؤل المطروح بقوة من يخلص مصر من الزبالة واحتلال الشركات الأجنبية التى تحصل على نصف مليار جنيه وتملأ شوارع البلد بكل أنواع الفضلات.. وهو أمر لم يكن الاستعمار قادراً عليه. ولا شك أن من يستطيع تخليص مصر من احتلال الزبالة، والشركات الأجنبية للزبالة، يستحق عن جدارة لقب مفجر الثورات.
ولا تستهن بهذا بعد أن بلغت الزبالة حداً يصعب تصوره، واكتشفنا أن الحكومة بعد كل هذه الزبالة التى تملأ الشوارع والأجواء ما تزال تفكر فى البحث عن طريقة لإلغاء العقود التى أبرمتها مع شركات الزبالة الأجنبية. وعندما تسمع أن الحكومة تفكر تعرف أنها تعجز عن اتخاذ قرار إلغاء عقود شركات الزبالة مع أن الشركات فشلت وعجزت وتقاعست عن تنظيف الشوارع والمنازل، وهى وظيفتها حسب العقد.
وعندما تسمع أن الحكومة عاجزة تشعر أن الشركات الأجنبية فضلاً عن فشلها، فهى أقوى من الدولة، ومن الحكومة. ولا نعرف ما إذا كانت شركات الزبالة الأجنبية حصلت مثلاً على امتيازات لكونها "أجنبية"، وهو أمر نشعر به من خوف الحكومة على مشاعر الشركات، أكثر من خوفها على مشاعر الزبالة فى الشوارع. الحكومة تفكر وتخطط وتبدو مترددة وعاجزة عن إلغاء عقود الأجانب، وكأنها بصدد اتخاذ قرار التأميم، والتفكير فى عواقب هذا، واحتمالات أن تشن شركات الزبالة الثلاثية الإسبانية والفرنسية والإيطالية تشن حرباً ثلاثية على مصر.
والدليل على أن هذه الشركات لها امتيازات، أنها تحصل من جيوب المواطن على 456 مليون جنيه سنوياً فى عين العدو، حسبما ذكر فى "المصرى اليوم"، وأن هذه المبالغ تتضاعف مع كميات الزبالة التى تمثل ثروة باعتراف الزبالين أى أن الحكومة تمنح الشركات الأجنبية ما يقارب المليار جنيه سنوياً من أجل الزبالة.
هل نشم رائحة فساد فى عقود الشركات الأجنبية الثلاث أم نشم رائحة الزبالة فى الموضوع؟. هناك من يقول إنها مملوكة لناس كبار ومسئولين من "هؤلاء الذين هم كذلك"، أو أن عمولة ضخمة تم دفعها أثناء تحرير العقود بحيث تضع عقوبات صعبة على الدولة فى حالة فسخ العقد. وحتى لو كانت كل هذه شائعات فإن مبلغ النصف مليار مدفوع ونصف مليار زبالة يجعل عقود هذه الشركات عقود إذعان لا يمكن لمسئول وطنى أن يحررها أو يوقع عليها. بل ونسمع كثيراً أنها لا شركات أجنبية ولا حاجة وأنها مملوكة لمصريين يتحدثون على طريقة "يا خبيبى إخنا شركات ندافة ننضف كتير فى الكومبانى"، وأنهم "تأجنبوا" لأنهم يعرفون أن الأجانب لهم هيبة تخوف المحليين ولهذا تم انتزاع النظافة من الزبالين ومنحها لهم بمعرفة شخص حصل على عمولة.
كل هذه الأمور المخفية والتى تظهر فى قضية الزبالة تشير إلى تلاعب كبير فى العقود والتنظيف ويضاعف من الشعور بالخوف أن الحكومة ما تزال تفكر ولا تجد شجاعة إلغاء العقود بالرغم من كل هذه الزبالة خوفاً من عدوان ثلاثى من الشركات الأجنبية على البلاد ولا نستبعد أن تتدخل الأمم المتحدة ومجلس الأمن لضمان حقوق الشركات الزبالة التى لا نستطيع إلزامها بجمع الزبالة مع أن معنا عقود. ولا شك أن من سوف ينجح فى إلغاء عقود الشركات الأجنبية يستحق لقب مفجر الثورة.. بحق، حتى لو كانت ثورة الزبالة.