فى الشهر الفائت «دُب خلاف»حول التطبيع مرة أخرى، وأصبح الرافضون له بقدرة قادر «متشددين»ولا يقيسون الأمور كما ينبغى، وتحول العدو فى القاموس الليبرالى الجديد إلى «الآخر»، وذهب مشتاقون كُثر إلى تمييع الموضوع، بحجة أن الدنيا تغيرت، وأصبح هناك مطلب «مثقفينى» لعمل مؤتمر لإعادة تعريف مصطلح التطبيع، وخرجت علينا «أخبار الأدب» (التى أحبها وأحترمها) بمانشيت»التطبيع من الثوابت إلى المتغيرات»، الجميع يتحدثون عن القمع الإسرائيلى للفلسطينيين(بارك الله فيهم)، ولكنهم متلهفون ولا ينامون الليل لرغبتهم فى معرفة الآخر، وفى أماكن أخرى، اعتبر كثيرون زيارة الأرض المحتلة بتأشيرة إسرائيلية جائزة شرعا، وراجت جملة سامة وبلاغية، تؤكد أن «زيارة السجين ليست تطبيعا مع السجان» كما قال الشاعر الفلسطينى زكريا محمد فى الأخبار اللبنانيةـ، السجان الذى يضع العقبات أمام أهل المعتقلين فى سجن النقب، ولكنه يفرش الأرض حريرا أمام هند صبرى، ذكرنا جمال الغيطانى بلجنة الدفاع عن الثقافة الوطنية، بقيادة الراحلة العظيمة لطيفة الزيات، أيام «كانت الأمور واضحة، ناصعة، جليّة» ولكنه يرى أن رفض التطبيع تحول إلى شعار، وأصبح تقليدا يظهر فى التوصيات ويردده آخرون بديماجوجية، واقترح عددا من النقاط الوجيهة التى لا تفرق كثيرا عن التى يقترحها صلاح عيسى بين الحين والآخر، وأكد فى النهاية «تأكيد الموقف الأخلاقى، الضميرى، للمثقفين العرب، مع الأخذ فى الاعتبار بمتغيرات الواقع والعالم»، ولا أدرى ما الذى تغير أصلا لكى نعمل حسابه؟الإسرائيليون فى هذه اللحظة أكثر دموية من أى وقت مضى، الإسرائيليون يتخوفون من التطرف الإسلامى وينتخبون متطرفين يحكمونهم من أجل «يهودية الدولة»، جابر عصفور قال فى الحياة اللندنية الشهر الفائت «أنا ضد أن يوافق أديب عربى على ترجمة عمل إبداعىله إلى العبرية» ولكنه قال فى أخبار الأدب قبل يومين أنه يلوم إيمان مرسال لأنها وافقت شفويا على ترجمة ديوانها فى إسرائيل، ولكنه لا يضعها فى إطار التطبيع !، ويرى أيضا أن استضافة الإسرائيلى دانيال بارينبيوم فى دار الأوبرا ليس تطبيعا (والغيطانى أيضا يرى ذلك)، أما محمد شعير فكتب» إن قضية التطبيع هنا ليست «حقيقة» واحدة، لها أكثر من وجه، هى سلاح أو أحد أسلحة المواجهة.. ولكن هل توقفنا لنسأل أنفسنا بعد ثلاثين عاما من كامب ديفيدعن جدواه، لماذا لا تتم مساءلة المفهوم حتى الآن أو حتى تطويره، ليناسب المتغيرات التى حدثت فى الصراع؟ «ووصل الأمر إلى: لماذا لا نفتح مركزا ثقافيا فى تل أبيب؟ لما قال قدرى حفنى لشعير أيضا، ما المقصود بالتطبيع؟ كما قال شريف يونس له أيضا، الميوعة الجديدة من أجل ضبط مصطلح «وأوضح أنها»، تأتى فى توقيت لم تعد الدعوة فيه إلى مقاطعة إسرائيل على العرب كما قالت رضوى عاشورـ بل تتصاعد يوما بعد يوم، وتكتسب أنصارا فى النقابات والمؤسسات الأجنبية الأوربية والأمريكية وغيرها، وتستقطب عددا لا يستهان به من مثقفى العالم (ساراماجو، سومسكى، برجر وآخرين)، ومن المخزى ـ تضيف عاشور - أن يتراجع بعض المثقفين العرب أو تختلط عليهم الأمور، فى وقت أصبحت القضية واضحة لكل ذى ضمير، عربيا كان أو غير عربى.
أما مقولة إدوار سعيد المقدسة، والتى تعتبرها مرسال كلاما نهائيا، وعلى أساسها وافقت على ترجمة ديوانها إلى العبرية»حتى يعرف الآخر أننا بشر مثله» هى مقولة دونية، لأننا على ما أعتقد نعرف أننا بشر وأن هذه بلادنا، وأن الآخر الذى يتحدثون عنه هو عدونا وقاتلنا، إيمان مرسال اختارت، ولا أحد يدينها ولا يتهمها بالخيانة، وهى ترى أنها لم تخطئ بسبب اتساقها مع ذاتها، وأنها لم يسبق لها التطبيع مع حكومة نظيف، وأنه آن الأوان أن تخاطب الآخر، «وربنا يوفقها» ولكن عليها أن تعرف الفرق بينها وبين ابنة عبدالحكيم قاسم التى رفضت لأسباب عميقةـ ترجمة كتب والدها العظيمة، وهو ميت... عند العدو.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة