يسرى الفخرانى

يعامل معاملة وزير!

الخميس، 05 نوفمبر 2009 10:53 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
يعتقد بعض الناس-وليس كل الناس- أن خروج رجل أعمال بحجم محمد منصور من الحكومة مكسب له وخسارة لنا! بالعبارة نفسها يعتقد البعض أن رجل أعمال بحجم منصور خسر أكثر من مجرد إهدار وقته وعمره فى الوزارة، فمنح الرأى العام فرصة محاكمته وتجرأت عليه الصحافة وبرامج منتصف الليل فطالبت بإقالته، والآن حان الوقت ليعود متوجا على إمبراطوريته الخاصة التى تكاد تبلغ مائة شركة تعمل فى النقل والغذاء والتكنولوجيا والبناء والإعلام.

وفى هذا خلاف يستحق المناقشة..
هل يخسر رجل الأعمال نفسه وقيمته وكرامته حين يصبح وزيرا؟
أم أن كرسى الوزارة بلقبه وتشريفاته ونفوذه أهم من كرسى مجلس الإدارة بكل فخامته وخصوصيته؟

ما سبق للعلم سؤالان لاعلاقة لهما بخروج محمد منصور المفاجئ من وزارة النقل ولا بمنصور رجل الحكومة أو رجل الأعمال، والتالى من المقال أيضا لاعلاقة له بعودة منصور إلى موقعه كرئيس مجلس إدارة مجموعة شركاته مع ذكريات ومذكرات وزير سابق.

لقد نجح الكثير من رجال الأعمال فى مصر فى الترويج لفكرة أنهم أكبر من منصب الوزير.. وأهم من كرسى الوزارة.. وأرفع قدرا من الانتساب إلى حكومة مصر.

دعاية مثل حمل كاذب، أسهم فيها كل من أصبح وزيرا لينفى عن نفسه ما يوحى بالاستفادة من موقعه فى السلطة، وأسهم فيها أيضا من أصبح وزيرا سابقا ليرفع عن ذاته حرج تسليم كرسى السلطة والأضواء والعودة إلى كرسى فى الظل، وأسهم فيها بالضرورة كل مشتاق إلى المنصب يسعى له بكل الطرق المتاحة والمعروفة والغامضة، وبهم أصبح لدينا قائمة ترشيحات جاهزة دائما لوزراء جدد.

السلطة غالبا تحمى الثروة وتساندها وفى خدمتها، والعكس ليس بالضرورة أن تحمى الثروة أصحابها، ولا أن تمنحهم قوة السلطة ومتعة السلطة وصحة السلطة.. «لاحظ أن أصحاب السلطة يتمتعون دائما بقدر كبير من الصحة والحيوية والنضارة».

بعد أربع سنوات تقريبا من مصطلح ما وصفناه بحكومة رجال الأعمال، تكشف التجربة ونكتشف أنها لم تكن على نفس مستوى التوقعات الخيالية لها، وأن ما تم التسويق له كفكرة -على أن هؤلاء الرجال ومن حولهم ليس لهم أدنى مصالح فى المنصب، كما أنهم عائلات وصلت إلى مرحلة من الثراء- لا يجعلهم ينتظرون أرباح المنصب غير المعلنة، وما حصدوه من خبرة فى نجاح شركاتهم الخاصة سوف يضمن نجاحا على نفس القدر فى إدارة الوزارة التى يحكمونها، هذه هى الأحلام التى تم الترويج لها، وصدقها البعض بطيبة كبيرة.
كانت تلك نصف الحقيقة وليست الحقيقة الكاملة.

لقد منح بعض رجال الأعمال المنصب من خبراتهم وجهدهم وأفكارهم برغبة فى دخول التاريخ كأحد من حكموا مصر فى هذه المرحلة فأنجزوا بعض ما تمنوا وأقل مما نريد وما يجب، هؤلاء أفسد نجاحهم المحدود وزراء آخرون منحهم المنصب من قوته ولمعانه ونفوذه فتيسر لهم إنقاذ تاريخهم الشخصى من النسيان والإفلاس وإعادة البريق لأعمالهم الخاصة وأسمائهم العائلية.

وما بين النموذجين نعيش مرحلة حكومة رجال الأعمال الذكية.
أما الأخطر فهو أن نصف حكومة مصر لا يسكن فى مصر، لا يسكن فى حواريها الفقيرة وشوارعها التى تئن من غياب أبسط الحقوق الآدمية عنها.

نصف الحكومة وأكثر جدا لا يعرف ماذا يحدث فى الأتوبيسات المزدحمة والمواصلات المكدسة من إهانة لأبسط مشاعر الإنسان وحقوقه.. ولا تخيلوا مرة ما يحدث داخل البيوت المعتمة المهمشة المكسورة التى أصابها الفقر والإهمال فى أعز ما تملك من قيم وأخلاق، ولا ذهبوا فى غفلة إلى مصلحة حكومية فقدروا معاناة المواطن اليومية، ولا وقفوا فى طابور خبز أو حسبوها بالورقة والقلم قبل النوم كيف يكفى الأجر مصروفات الحياة؟.
نصف الحكومة، لا يعرف ما هى أحلام البسطاء، إنهم يسمعون عنها فى البرامج التليفزيونية فى المساء ويذهبون للنوم بعمق آخر الليل .

نصف الحكومة، يجتمع فى هيلتون على إفطار عمل وفى الفور سيزون على غداء عمل وفى الماريوت على عشاء عمل، لمناقشة أزمات المواطن المصرى الذى يشاهدونه فى مسلسلات رمضان وبرامج المسابقات البلهاء التى يتحمس لها الكثير من الجهلاء الآن بحجة.. «سلى الزبون قبل أن ينفجر أو يغضب أو يطلب حقه».

نصف الحكومة أكثر قليلا أو أقل كثيرا يحكمون من المدينة الفاضلة.. ويتعاملون مع الشعب على طريقة مارى أنطوانيت، ولمن لا يعرفها هى صاحبة عبارة نسبت لها تقول: من لا يستطيع أن يأكل خبزا يأكل جاتوه، والوزير رشيد محمد رشيد الذى نمنحه قدرا كبيرا من الثقة والشعبية والاحترام عن حب كوزير ومواطن مصرى ورجل أعمال وطنى، كان فى مناظرة تليفزيونية مع مواطن بسيط يعمل سواق تاكسى يشكو له ارتفاع الأسعار، فدعاه الوزير لأن يأكل اللحم المجمد إذا كان غير قادر على شراء اللحم الطازج البلدى، ورد المواطن بحكمة كل المصريين ووجع قلبهم: «وهل تأكل اللحم المجمد المستورد يا معالى الوزير.. حتى ترغمنى على أن أشتريه لأطفالى؟».

ومن محاسن الصدف أن لقب الوزير ومنصبه أصبح هو البديل لمنصب الباشا الذى كان الوجهاء والأثرياء يسعون لشرائه من جلالة ملك مصر والسودان قبل الثورة، كما أنه المنصب الذى يعنى أن العائلة، عائلة وزراء، تحكم بلد، فيعطى المنصب أصحابه أصالة نادرا ما تكون موجودة فى تاريخ العائلة.
لأسباب كهذه.. يسعى أغلب رجال الأعمال الأثرياء فى مصر.. لحكم مصر..
وما أدراك ماحكم مصر؟
الأثرياء كثيرون.. لكن الحكام قلة تحكم فتحميها السلطة وتحملها إلى آفاق أوسع من كل الطموحات المنتظرة ويعامل هو وعائلته معاملة وزير.
منصب الوزير فى مصر منصب كبير يحكم ويحمى ويفتح أبوابا مغلقة كثيرة، وليس صحيحا كما يروج البعض ويصدق البسطاء والسذج أنه عبء ثقيل وهم بالليل والنهار ومسئولية كان الله فى عون من يحملها.. لا يهمنى من هو رئيس مصر القادم.. أو بعد القادم..
المهم: من هى الحكومة التى تحكم مصر؟.. من هو رئيس وزراء مصر؟ .. ومن هم وزراء حكومة مصر؟









مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة