سعيد شعيب

دى مش أصول يا أستاذ

الإثنين، 09 نوفمبر 2009 12:00 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
أغلق باب غرفته بإحكام وكتب ورقة صغيرة لأسرته.. ثم وقف وحيدا وسط الثروة التى جمعها طوال حياته، وأشعل النار فى كل شىء.. ومات.

هو محمد الصعيدى الذى عرفته قبل رحيله عام 2001 بعدة سنوات، كان يحمل دائما شنطة ضخمة مليئة بمئات الصور الفوتوغرافية التى يعود تاريخها إلى أكثر من 150 عاما، من مصر وفلسطين وإيطاليا وفرنسا والجزائر، أكثر من 1500 صورة من 14 دولة، ثروة لا تقدر بمال.

كان منهمكا باللف على مكاتب وزارة الثقافة والسياحة طوال سنوات.. بعضهم حاول استغلاله كما قال لى، وبعضهم حاول سرقته، وبعضهم كان يرى أنها مجرد صور وليست أصول، وتمخضت هذه الحرب عن معرضين.. وانتهى الموضوع، وضاع حلمه فى متحف صغير أو ركن صغير من متحف، كان يحلم بمعرض للصور الفلسطينية التى يملكها يجوب العالم ليكشف به أكاذيب الصهاينة، هو الجندى الذى حارب فى 1956 و1967 و1973.. وفى ذات الوقت كان محمد يرفض عروضا مغرية من سفارات يملك صورا قديمة لبلدانها.

كان رحمه الله عاشقا للثقافة والفنون، وكان يملك إصرارا كالصخر، يرسل مئات المكاتبات وملئ الصحف بمناشدات لوزير الثقافة ووزير السياحة وكل من يتصور أنهم يمكن أن يقدروا التحف التى يملكها، ولم أكن أستطيع مصارحته بالبحث عن عمل آخر يعيش منه، فليس منطقيا أن يضع كل البيض فى سلة واحدة.. ولكنى كنت دائما أتراجع، فقد كان كالغريق الذى يتعلق "بقشاية" وليس من العدل حرمانها منها.

وعندما جاءنى تليفون من صديقه محسن صارخا: محمد حرق نفسه مع الصور ومات.. ذهلت وبكيت رغما عنى، وحاولت كثيرا أن أجد منفذا لكى تشترى وزارة الثقافة الذى تبقى من الصور النادرة، ولكن الموظف الذى جاء ليقيمها كان يردد وكأن هناك من لقنه: دى مش أصول يا أستاذ.

وكنت أرد لكنها نادرة، وفى النهاية لم يحدث شىء، فلم يستفد منها من رحل ولا من عاش.
فهل محمد هو المخطئ؟
ربما.
هل المناخ وقتها هو المخطئ؟
ربما.
هل هناك مخطئون لا أعرفهم؟
ربما.








مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة