مصر بلد العجائب السياسية، ومن أكثر الأوضاع غرابة وإثارة للدهشة فى سياستنا هو وضع جماعة الإخوان المسلمين فى السياسة. الجماعة تنافس وتمارس نشاطها وتنافس وتحرج الحزب الوطنى، الذى يرفض الاعتراف بها. الإعلام الحكومى يسميها "المحظورة"، وهو مصطلح تصور الحزب الوطنى وإعلامه أنهما باختراعه "احضرا الديب من ذيله" سارت خلفه الصحافة الحكومية، هذه الحالة من الإنكار، لم يثبت أنها أضرت الجماعة، وربما تكون أفادتها، لأنها تجعلها دائما فى الصورة وضمن الحديث العام والخاص والنخبوى. وتجد الأمر أقرب إلى النكتة، الصحيفة الحكومية تكتب خبرا أو تقريرا عن نواب الإخوان فتقول مثلا "ثلاثة محظورين من المحظورة قالوا كذا". وهو حظر لا يفيد مع جماعة موجودة وطرف فى أى معادلة. وحتى الصحفيون والإعلاميون الذين يلتزمون بوصف المحظورة فى صحفهم يتحررون من هذا فى برامجهم او الصحف التى يكتبون فيها.
الجماعة دائما محط أنظار وكل حركة أو همسة، أو خلاف يتحول إلى خبر مهم تتابعه وسائل الإعلام بكل أنواعها، فضلا عن اهتمام الإعلام الدولى بها.
ولعل قرار المرشد الحالى محمد مهدى عاكف بترك الموقع، وانتخابات مكتب الإرشاد، ووضع مجلس الشورى، كلها تتصدر أخبار الصحف، وتقارير الفضائيات، وتحتل مكانها وسط مناقشات النخبة والناس والبرلمان، يهتم بها الحزب الوطنى.
الإخوان هم الفريق الثانى دائما فى أى انتخابات برلمانية أو نقابية. وهم تحت رقابة أجهزة الأمن ومعرضون دوما للاعتقال والتصادم، موجودون بقوة. أيا كان الاختلاف معهم أو حولهم ينافسون ويخططون ويتحركون. ومع كل هذا الاهتمام سوف تجد حالة إنكار دائمة لوجود الجماعة، وفى البرلمان مثلا يتم التعامل معهم على أنهم نواب الجماعة لكن لو سألت رئيس مجلس الشعب سيرد فورا، هم نواب مستقلون ولا توجد جماعة اسمها الإخوان. ومع ذلك فإن المراقبين يتابعون أخبارها مثلما يتابعون أخبار وتصرفات الحزب الوطنى.
الجماعة من جانبها تحب هذه الطريقة، وترى أن التضييق والحظر إنما هو دليل نجاح، ولهذا لا تفكر فى تغيير طريقتها، أو تختار بين الدعوة والسياسة، وتفصل بينهما بشكل حاسم، وتصر على العمل العام بكل أنواعه، دون أن تتحول إلى جماعة عامة، ومفتوحة للجميع، يصعب الفصل بين الجزء العلنى، والآخر السرى فى نشاطها.
وكأنها تريد الجمع بين فوائد السرية والعلنية، مع أنها ربما لو نجحت فى الوصول إلى صيغة علنية وحزبية سوف تفيد السياسة وتفيد الدين. وتسقط هواجس كثيرين حولها، وتلك الهواجس لا يحملها فقط خصوم الجماعة، لكن أيضا بعض من لا يحملون تجاهها رفضا. لكن الجماعة بالطبع ربما تخشى إذا غيرت صيغتها أن تصبح حزبا من بين أحزاب بلا وجود، مع خوض أعضائها للانتخابات ومشاركتهم البرلمانية والنقابية، جعلهم يخضعون لتقييم الخدمات والمصالح، مع الاعتراف بقدرتهم على الحشد والتجييش.
لقد تابع المراقبون تحركات المرشد ورسم سيناريوهات المستقبل، وكانه يتابع انتخابات رئاسية أو برلمانية. مما يؤكد أن الجماعة جزء من معادلة، لكنه جزء الغامض فيه مزدوج، غموض من جهة النظام، يقابله غموض من جهة الجماعة، مع أن هذا الغموض لو انتهى، فقد يفقد تشويقه، لكنه سيكون أكثر فائدة. الأمر لا يحتاج فقط للحديث عن الديمقراطية داخل الحزب والجماعة، بل عن قليل من ممارستها.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة