ماذا يريد محدودو الدخل، من الحكومة، والحزب الوطنى والبرلمان؟ وهؤلاء لايتأخرون عنهم لايكفون عن ذكرهم، وتقديم جميع الوعود لهم، مع أنهم فى الحقيقة لا يستحقون. فهم أصل المشاكل، وسبب الانفجار السكانى، والزحام، وأزمات المواصلات والعيش والسكر وانقلاب القطارات، يمرضون بالكبد الوبائى، والفشل الكلوى، ويتلوثون بالمبيدات ويصابون بالأنفلونزا والزكام ولايكفون عن الشكوى من ارتفاع الأسعار وتردى الخدمات، دون مراعاة لظروف الحكومة التى تبذل الغالى والنفيس والنظيف والعز، من أجل راحتهم وتخفيف الأعباء عن كاهلهم. وتدعيمهم، والصبر على مشكلاتهم.
ومع ذلك فإن الدولة تساندهم وتسهر على راحتهم، والمصالح والوزارات تعمل من أجلهم. ولايخلو خطاب رئاسى أو بيان حكومى من ذكرهم والثناء عليهم والإشادة بهم. القطارات تعمل من أجل المحدود، حتى لو انقلبت به. والمستشفيات تسهر من أجله، حتى لو مات أو انحرق. من أجلهم تم اختراع وزارة التموين، ومن أجلهم ألغيت، ولأجل خاطرهم تقوم مشروعات الإسكان العملاقة حتى لو لم يسكنوا فيها.
وحتى الضريبة العقارية فإن القانون يحمى المحدودين ويعفيهم من سداد الضربية طالما أن ثمن الشقة أقل من 600 ألف جنيه كما قال المهندس أحمد عز رئيس الخطة والموازنة والتنظيم، حرصاً منه على العدالة وراحة المحدودين، فقد أصر على عدم إعفاء السكن الخاص من الضريبة حتى لا يعفى الأغنياء، وهذه هى العدالة الحقيقية، وكل مواطن يأخذ حقه، على اعتبار أن الحكومة تأخذ من الأغنياء لتعطى المحدودين والفقراء والعشوائيين.
وسيخرج لنا «محدود من إياهم ليسأل: لماذا تظهر العدالة هنا وتختفى هناك فى الاحتكار والاستثمار والسكن والعلاج؟ لكنها العادة التى تجعل كل محدود لايكف عن الشكوى، والتنكيت والتبكيت على رجال التشريع والعدالة، ربما لهذا صرخ نائب «أغلبى» نسبة للأغلبية كصرخة جاليليو عندما «وجدها»، وقال إننى أشعر بالافتخار لأنى شاركت فى أكثر القوانين عدلاً.
لكن المحدودين بطبيعتهم التى تميل إلى الشك، لا يحمدون ربهم على أن الحكومة تصبر عليهم. ولايعترفون بأفضالها عليهم، وبدلاً من ذلك يجأرون بالشكوى ويتهمون الحكومة بأنها تضيق عليهم وتغرقهم فى المعديات، وتحاصرهم فى العشوائيات، وتستخسر فيهم اللقمة والمسكن والعلاج والتعليم، ولا نعرف لماذا لا يشعر المحدودون بالرضا، ولا يكفون عن الشكوى؟ مع أنهم بصراحة وباعتراف الجميع هم سبب المشاكل وأصل البلاوى، فكل محدود يحتاج إلى حكومة له وحده، مع أن الحكومة تعمل من أجل كل المحدودين، وتتمنى فى قرارة نفسها أن تصحو يوما فلا تجد محدوداً واحداً فى الشوارع أو الحوارى، فالمحدود هو الذى يركب الأتوبيس والمترو ويمشى فى الأسواق ويطمع فى أن يعلم أولاده، مع أنه من الأفضل لهم أن يظلوا محدودين مثله.
ومع أن السلطة التنفيذية والتشريعية والقضائية تعمل من أجل خاطر «اللى مايتسماش»، فإن هذه الكائنات لا تحمد ربها، على حكومة لا تنام ولا تأكل ولا تلعب ولا تستريح، إلا بعد أن تضمن مصالح هؤلاء المحدودين، ومع ذلك فهم يدعون على الحكومة ليل نهار بأن يجعلها الله من محدودى الدخل. حتى تتذوق الخيرات التى يغرق فيها المحدودون. وكل ماترجوه الحكومة ويتمناه البرلمان هو أن يشعر المحدود بالرضا ويعلم أن القناعة كنز لايفنى، وإن كانت «حكومتك عسل ماتلحسوش كله»، حتى لا تتسمم..