فاجأتنى ردود فعل عدد من القراء على ما كتبته بالأمس حول البرادعى وموسى والمنقذ، فقد تصور بعض القراء الأعزاء أن نقد فكرة المنقذ القادر على تغيير كل شىء فى غمضة عين، هو من طرف ما دعوة إلى الاستكانة والرضى بما هو قائم، أو مساس بقيمة قانونى مرموق مثل الدكتور البرادعى أو بقيمة سياسى مرموق مثل عمرو موسى أحد أشهر وزراء خارجيتنا.. والحق أن هذا التصور بعيد تماماً عن فكرتى الأساسية ومن هنا جاءت مفاجأته لى، فنقد فكرة القادر بمفرده على تغيير الظلم وعدم العدالة وتبديل الأوضاع السيئة إلى نقيضها، إنما يعنى من وجهة نظرى دعوة للمبادرة والتحرك والفاعلية بدلاً من الانتظار والركون إلى جهة خارجية أو شخص خارق قادر على إثبات المعجزات فى زمن لم يعد يحمل أو يعترف بالمعجزات.
الناس فى عمومها خائفة أو ملهية بأكل العيش أو عازفة عن المشاركة الإيجابية أو يائسة أو تنتظر حتى يهبط التغيير من السماء أو من الخارج.. وفى كل الأحوال يمارسون ما اعتادوا على ممارسته لأزمنة طويلة.. الانتظار والانفصال عما يحدث خوفاً من دفع أى ثمن لتحركهم!
ومن هنا تبدو فكرة المنقذ أو المخلص.. فكرة مناسبة تماماً لأناس لا يريدون أن يفعلوا شيئاً ويكتفون بالشكوى وإعلان عدم الرضا.. وفى هذا قمة السلبية.. لأن المنقذ الذى يستطيع تغير النار إلى جنة بمفرده لن يكون ساعتها فى حاجة لأى أحد يزاحمه هذه الجنة التى صنعها أو سيتحول إلى ديكتاتور باطش يعمل على إذلال من يخضع له..
أما الاتجاه المقابل.. فيعنى أن يعمل كل منا على أن يكون المنقذ والمخلص لنفسه ولأهله بالصورة التى يراها فاعلة وتحقق أهدافه.. وإذا تلاقت هذه الجهود فى سياق عام يصبح لدينا مجتمع نشط ديناميكى قادر على اتخاذ قراراته وفق مصالحه لا وفق أهوائه وانفعالاته غير المدروسة.. كما يستطيع عندها أن يتشبث بمصالحه واختياراته وأن يدافع عنها.
المنقذ بداخلنا يمكن أن نوقظه إذا استطعنا تغيير أنفسنا من صورة المنتظرين إلى صورة الفاعلين المشاركين، القادرين على الدفاع عن اختياراتهم وقبول النتائج أياً كانت، فالله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم.
بأنفسنا الكثير من التصورات والأوهام الخاطئة حول ممارسة الحياة السياسية والمشاركة المجتمعية نتيجة عقود طويلة من الإقصاء والقهر والاستبداد، ولعل الإضرابات العمالية والحركات الاجتماعية التى شهدتها البلاد خلال السنوات الأخيرة، تكون بداية تحول فى التغبير عن المطالب المجتمعية والسياسية، تدفع بالناس لأن يتحركوا بحثاً عن مصالحهم ودفاعاً عن اختياراتهم بدلاً من انتظار الهابطين من السماء لإرساء العدالة فى الأرض بعد أن ملئت جوراً!
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة