كلنا نتذكر النكتة القديمة المنسوبة لجحا عندما استلف من جاره حلة، وفى اليوم التالى أعادها إليه ومعها طاسة صغيرة، وقال له إن الحلة ولدت، فرح الجار وطلب من جحا أن يأخذ كل الأوانى فى منزله ليولدها، وعندما عاد ليتسلم الأوانى قال له جحا إنها ماتت وهى تلد. وذهب جاره يشكوه للقاضى. وسأل: هل تصدق يا حضرة القاضى أن آنية تموت. فصرخ جحا: صدقت أنها تلد، وكل حى يموت.
نفس الأمر ينطبق على ضحايا هيثم الذى جمع ملايين من عملائه بزعم توظيفها وهرب. ومثلها حالات كثيرة يشكو فيها الضحايا من نصابين خدعوهم، وأخذوا أموالهم ليضاربوا بها على وعد بخمسين إلى ستين فى المائة أرباح، ثم يكتشف أنه خدع، والتكرار لا يعلم الشطار. نصاب حلوان وآخر فى الجيزة ومدينة نصر، والإسكندرية، والقليوبية. أصحاب الأموال يصدقون أن الجنيه يكسب جنيه فى شهر، وأن الألف تصبح عشرة آلاف فى أربعة شهور، ثم مليون فى سنة.
منذ رواد توظيف الأموال فى الثمانينيات، تغيرت الطرق وظل الفيلم واحدا. مع مراعاة فروق التكنولوجيا. هيثم قال لهم إنه سيضارب بأموالهم فى شراء العملات، وإنها عملية مضمونة الربح. وربحها غير متصور. فتح مكتبا ونشر دعايات وقدم نفسه لعملائه على أنه خبير فى تجارة العملات والتحويلات الإلكترونية، وإنه يمكنه أن يعطى المودع فائدة تتراوح بين 50 و60% من قيمة المبلغ الأصلى. الإغراء ضخم، والربح مغر، والطمع مع الطموح، وارد.
بالفعل أعطى بعضهم ربحا لشهر أو عدة أشهر، وهو أمر ضاعف الدعايات، التى جذبت عائلات بأكملها إلى طابور المودعين الراغبين فى الثراء مرة واحدة، ولماذا ينتظر الواحد عائدا من عمل، أو فوائد هزيلة من بنك. وهناك هيثم، يصنع المعجزات. تكدست الإيداعات بلا أى ضمان، وفجأة اختفى هيثم وتبخرت أموال الضحايا.
وهناك مئات المواطنين اتهموا المدعو هيثم بأنه نصب عليهم وأخذ أموالهم التى تقدر بعدة ملايين، ولم يفكر أحدهم فى أن يكون هيثم نفسه خسر أموالهم وأمواله. أو طمع فيها وفلسع. صدق المودعون أن الأموال يمكن أن تحقق ربحا يتجاوز نصف قيمتها فى شهر وتتضاعف مئات المرات فى عام، وهى معادلة تتعارض مع أصول الاقتصاد التى تقول إنه يمكن لواحد أو بضع أفراد أن يربحوا، ولا يمكن لكل الناس أن يربحوا.
ونحن نريد التعاطف مع هؤلاء الضحايا، نجد أنهم ذهبوا للفخ بأرجلهم، مثلما فعل سابقوهم، تجارة العملات أو المضاربة عليها "الفوركس" منتشرة فى دول العالم، وفى الخليج هناك مكاتب شبه علنية تمارس نشاطها، الذى لا يجرمه القانون. وكلها تغرى بالربح، لكن القائمين عليها لا يخبرون المودعين أن احتمالات الربح مثل احتمالات الخسارة، والمودعون ينتظرون الربح. ولا يعترفون بأن المال لا يمكن أن يحقق نصف قيمته أو حتى ربعها وإلا كان كل المستثمرين توقفوا عن العمل وتركوا أموالهم فى الفوركس.
الفوركس تجارة مشروعة والمضاربة فى البورصة مشروعة لكنها محفوفة بمخاطر يجب أن يتوقعها من يريد اللعب فيها، وكما يمكن أن يربح الشخص عدة ملايين فإنه تمكن أن يخسر عدة ملايين أخرى، وهى قاعدة معروفة منذ اختراع البورصة، وهى مقامرة قانونية تماما. الفرق أن البورصة مجالها واسع واللاعبين فيها كثيرون، وطبيعى أن طرفا يربح وأطرافا تخسر، وفى الفوركس يمكن للمضاربة على العملات أن تنتج أرباحا من عملات تصعد وقد تحقق خسائر من عملات تهبط وتهوى فى الأرض. وبصرف النظر عن التفاصيل، فإن القضية الأساسية، أن هناك من صدق أن الأموال تلد، وعليه أن يقتنع بأنها ماتت وهى تلد. والقانون لا يحمى المغفلين.