1
شعرت بسعادة غامرة وأنا أتابع العرض الهزلى لجائزة بوكر العربية فى نسختها الثالثة، لأنه كشف عن طاقات كوميدية مذهلة فى أبطال العرض المتجهمين والجادين، بدءا من المتعهد المحلى صموئيل شمعون مرورا برئيس لجنة التحكيم «الطويل» وأعضاء اللجنة «الجامدين»، وسأستبعد المتقدمين لنيل الجائزة لأسباب عاطفية، وبوكر الإنجليزية كما هو معروف أنشئت سنة 1969، وتمنح لأفضل كتاب ومؤلف من بريطانيا وأيرلندا ودول الكومنولث، وفُتح فرع لها (على غرار كنتاكى) فى روسيا سنة 1992 بعد سقوط ما كان يعرف بالاتحاد السوفيتى، وفرع آخر للأدب الأفريقى تحت اسم كاين عام 2000، ثم بوكر العربية فى 2007، المتعهد المحلى هو العراقى صموئيل شمعون، صاحب موقع «كيكا» الإلكترونى الذى أنشئ فى 2003 فى توقيت غزو واحتلال بلاده، رافعا شعار «فضاء لثقافة الحرية والتسامح، وليس للجريدة أى أهداف سياسية، وهى تناهض الأفكار المتزمتة»، ونجح من خلال موقعه هذا فى حشد عدد من الكتاب الشباب لا يتحدثون عن المقاومة، وينحازون لقيم إنسانية عامة، ولا يرون فى إسرائيل عدوا، وأصبح «الكيكاويون» نوعا من الناس، الذين يتحدثون على راحتهم فى كل شىء إلا السياسة، وإذا تحدثوا، فمن وجهة نظر المتعهد صاحب النفوذ «الكونى»، والذى سيأخذ المحبطين إلى فضاء العالمية من خلال الموقع ومجلة «هانيبال» بدائية الشكل والمضمون، أو إلى بيروت 39، أو إلى بوكر العربية، التى تبناها الإماراتيون بنواياهم الحسنة، ظنا منهم أنها إضافة لإسهاماتهم فى إثراء الثقافة العربية، فى الوقت الذى يسعى فيه الغرب إلى تسليع الأدب العربى، من أجل فرض التماثل الإجبارى فى كل المجالات، وفرض نموذج واحد فى الشراب والطعام والملبس، وأخيرا فى الروايات، وشركة «هاى فيستفال» المتخصصة فى تنظيم المهرجانات قادرة على فعل هذا، وهجمة الجوائز الغربية تقوم كما قال د. ثائر دورى (فى مقال حذف من جوجل ونشر فى موقع «ديمقراطية شعبية») تقوم على القوة العسكرية الخشنة والقوة الناعمة التى تعمل بآليات، وتجنيد عدد واسع من النخب والمثقفين، إما بإقناعهم بأفضلية المشروع الغربى أو بجعل مصالحهم الشخصية مرتبطة بهذا المشروع.
2
كشفت النسخة الثالثة من الجائزة عن نفوذ لوبى الصحافة الثقافية والناشرين الكبار، وعن تهافت كتاب كبار على مبلغ من المال وعن بطولات زائفة يدعيها الجميع، وتحول الأمر إلى وجود مؤامرة على مصر، والحقيقة أن المتآمرين على الثقافة المصرية هم المصريون الذين أفسدوا ذمم الناس، وهم فى السلطة، ويواصلون المهمة وهم خارجها، وتحولوا إلى متعهدى جوائز وتصريحات، لست ضد الجوائز، وأتمنى أن تكثر، بعيدا عن المراكز الثقافية الأجنبية، وتوجد فى الثقافة العربية أكثر من جائزة لا يثار حولها كل هذا الضجيج مثل «العويس» و»ساويرس».
3
الرواية فن عظيم، والروائى فى الثقافة العربية المعاصرة حل محل الشاعر القديم، والاهتمام النقدى به مفهوم، ومنح الجوائز أيضا، وتعيش القاهرة حالة كتابة جميلة، لأن الرواية بنت المدينة، والقاهرة مدينة عظيمة، وعاصمة، وقدرها أن تكون فى الصدارة، ولكن ليس من حق نقادها الرسميين أن يشاركوا فى حصارها، لأنهم لو مروا على مقهى واحد فى وسط القاهرة أو الإسكندرية أو المنصورة، وقاموا بعد الروائيين غير المشغولين بصموئيل ولا لجان تحكيمه ولا رعاته، ربما توقفواعن النقد، واكتشفوا أن ما يحدث أكبر منهم.
4
عباس بيضون عاتب على ابراهيم عبدالمجيد فى السفير اللبنانية لأنه قال إنه توجد مؤامرة على مصر من اللبنانيين، وأشاد بخدمات صموئيل للثقافة العربية، وشيرين أبوالنجا انسحبت بسبب اعتراضها على التصويت الرقمى ورفضت مبلغا مكون من أربعة أرقام، وشتم جابر عصفور لجنة التحكيم، وتساءل الغيطانى عن جدوى لجان التحكيم ما دام الفائز معروف سلفا، وقال حمدى عبدالرحيم فى الشروق إنه لا توجد مؤامرة على مصر، وكتب رؤوف مسعد فى الحياة مستاءا، وراحت علوية صبح «فى الرجلين» والجائزة فى طريقها إلى دار الشروق للمرة الثالثة.