"مش عايز يقوم"
قال الكاتب الكبير محمد حسنين هيكل هذه العبارة عن رئيس مجلس الشورى الإيرانى على لاريجانى الذى كان فى ضيافته بمكتبه، واستمرت المقابلة وقتا طويلا أدت إلى تأخير هيكل لبعض الوقت عن احتفال دار الشروق أول أمس، الاثنين، بإصدار الطبعة الكاملة لأعماله فى 26 مجلدا.
عبارة هيكل كانت تعبيرا عن حالة من الرغبة الدائمة من المسئولين الإيرانيين فى لقاء الأستاذ والاستماع إليه، ولم تكن مقابلة لاريجانى بوصفه مسئولا إيرانيا كبيرا للأستاذ هى الأولى من نوعها، فقبل سنوات نظمت صحيفة الأهرام زيارة لوفد إيرانى إلى مصر، وكان ضمن البرنامج الرئيسى للوفد زيارة الأستاذ، ومنذ عامين أو أكثر زاره الرئيس الإيرانى الأسبق محمد خاتمى الذى كان مدعوا لزيارة مكتبة الإسكندرية وقابل أيضا الرئيس مبارك، ودعا هيكل عددا من رموز الفكر والسياسة والصحافة إلى هذه المقابلة التى تمت فى عزبة الأستاذ ببرقاش، وكان من بين الحضور المفكر الدكتور جلال أمين ورئيس تحرير العربى الكاتب الصحفى عبد الله السناوى، وعلى غداء بالفطير المشلتت دار نقاش طويل يومها عن صراع وتقارب الحضارات التى يبرع فيها خاتمى، ولم يتطرق الحديث وحسبما عرفته من بعض من حضروا اللقاء إلى الشأن الداخلى الإيرانى رغم شوق الحضور لذلك.
اهتمام الأستاذ هيكل بإيران ليس جديدا فهو صاحب حوار شهير مع شاه إيران محمد رضا بهلوى قبل اندلاع الثورة الإيرانية ضده بقيادة الإمام الخومينى عام 1979، وجاء هذا الحوار فى كتابه الرائع: "زيارة جديدة للتاريخ"، وهو أيضا صاحب حوار شهير مع الإمام الخومينى حينما كان لاجئا فى فرنسا يعمل لثورته منها ضد الشاه، وهو اللقاء الذى حدثت بسببه أزمة مع الرئيس السادات، بعد خروج هيكل من الأهرام، وهو وغيره تسبب فى إحالته للتحقيق من المدعى العام الاشتراكى.
وقبل الاثنين تابع هيكل عن قرب الحركة لوطنية الإيرانية بقيادة محمد مصدق رئيس الوزراء الإيرانى الذى قام بتأميم البترول الإيرانى فى مطلع الخمسينات من القرن الماضى، وانتهى به الأمر إلى الانقلاب عليه ليمسك الشاه بزمام الأمور من جديد فى الدولة الفارسية.
هذا الاهتمام بإيران الدولة التى انتقلت من النقيض إلى النقيض، جعل الأستاذ على قناعة بأن إيران فى طبعتها التى بدأت منذ ثورة الخومينى، يجب أن تكون قوة مضافة للعرب وليست خصما فى مواجهة إسرائيل، وهو يبدى فى ذلك تعجبه الدائم من وقوف بعض الدول العربية على ناصية العداء لإيران فى الوقت الذى تتخذ إسرائيل صديقا.
سيقول المتربصون بالأستاذ كلاما سطحيا من قبيل أن الرجل بهذه اللقاءات يفعل كل ما يضايق دوائر الحكم فى مصر التى يربطها ودا مفقودا مع دوائر الحكم فى إيران، وربما يمتدون فى سطحيتهم إلى اتهامه بأنه صاحب "هوى إيرانى" أكثر من "هواه المصرى"، وهى انتقادات تمر كالفقاعات التى لا تترك تأثيرا يذكر، لكن المثير فى هذه المقابلات أنه ليس هناك فى دوائر صنع القرار من يبنى عليها، بالدرجة التى تؤدى إلى بناء علاقات مع دولة بحجم إيران ليس من الصحيح أن تبقى العلاقات معها مجمدة إلى هذا الحد.
وأتخيل دائما فى حالة حدوث أى تطور مفاجئ يؤدى إلى عودة العلاقات بين البلدين، ماذا سيقول المتربصون بالأستاذ هيكل، أغلب الظن أنهم سيصمتون، وربما يتحدثون بوصفهم أنهم كانوا من أصحاب دعوات التقارب، أو سينقلبون إلى النقيض بقولهم إن الأستاذ هيكل هو صاحب نظرة مستقبلية كعادته.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة