طرحت بالأمس سؤالى:" هل يكره العرب مصر؟" واستكمل.. تحدثت فى مقال الأمس عما سمعته من رئيس تحرير إحدى الصحف الإماراتية الكبرى العاشق لمصر، وذكرت التنبيه الذى قاله بأنه من جيل تغرب عنه الشمس، وخشيته من أن الأجيال الجديدة ربما لا تحفظ الكثير عن مصر مثلما يحفظ جيله.
ومن الإمارات إلى سوريا، أذكر فى زيارة لى فى نهاية التسعينات من القرن الماضى، ضمن وفد صحفى مع نواب من مجلس الشورى، وتجولنا طوال 14 يوما فى العديد من المحافظات والمدن السورية، وفى الجولات الحرة كان الاحتكاك مباشر مع السوريين بعيدا عن السياسة وأمراضها، وكان دفء المشاعر هو عنوان كل شىء فى هذه التعاملات.
فى أحد شوارع دمشق سألت شابا عن محلات الحلوى السورية، فأصر على أن يذهب معى إلى المحل وفى الطريق داعبنى قائلا :" أنتم يا مصريين السكر وإحنا الشاى"، قلت له :" هناك من يفضل شرب الشاى سادة "، فرد ضاحكا :" لكن طعمه بيكون مر"، لم يكن سلوك هذا الشاب استثناء، بل كان هو القاعدة فى كل التعاملات مع السوريين الذين لم يملوا من الترحيب بنا فى دمشق وحلب واللاذقية وحمص وحلب وحماة، ووصل الأمر بأحد أصدقائنا الصحفيين الذين كانوا معنا بأنه تمنى لو عاد إلى مصر بعروس من سوريا.
فى حلب حكى الناس عن حمل الجماهير لسيارة عبد الناصر فى أول زيارة له بعد الوحدة عام 1958، وحكى مسئولو فندق "الشام " عن زيارة سابقة للموسيقار الكبير الراحل سيد مكاوى، ومع تكرار كلمة :" تسلم لى عينى " كتعبير عن التحية له بعد كل مطلب يطلبه، علق مكاوى " الكفيف " بخفة دمه المعهودة :" لوكنت أعرف كده كنت جيت من زمان عشان عيونى تفتح".
وفى زيارة إلى سد الفرات وقبل الوصول إليه شاهدنا مدرسة باسم جمال عبد الناصر، وفى مبنى السد كان المسئولون يحكون عنه، لكن ذاكرتهم تذهب أكثر إلى السد العالى فى مصر، ويحكون تاريخه كما لو أنك تستمع إلى مؤرخ مصرى.
وفى اللاذقية شعرنا كما لو كنا فى الإسكندرية، وسمعنا حكايات من أهلها عن زيارات للموسيقار محمد عبد الوهاب إليها لقضاء إجازة الصيف، وفى حمص زرنا قبر ومسجد القائد العربى الإسلامى العظيم خالد بن الوليد، ونحن فى داخله كان وجداننا عربيا بلا نفاق، ولم يكن فرعونيا ولا متوسطيا، فخالد بن الوليد لا يسأل أحد عن جنسيته بقدر ما يتحدث عن كونه قائدا عربيا إسلاميا ورمزا للمصرى والسورى والعراقى والخليجى والمغربى والسودانى، ولكل الحضارة العربية الإسلامية.
كانت اللقاءات مع المسئولين السوريين بنفس درجة الحميمية، لكن لو اعتبرناها كموج البحر تخضع لتقلبات السياسة، فإن الصدق الأكبر فى حب مصر كان ينطقه الشعب السورى الذى قابلناه فى الشوارع.
عرفنا مصريين يعيشون هناك منذ الوحدة المصرية السورية عام 1958 ، وزوجات مصريات لسوريين، وأبناء نصفهم سورى والنصف الآخر مصرى، وذكريات يرويها الكل عن مصر التى يحبونها.
لم تخلو رحلتى وقتها من حرصى على مقابلة سياسيين سوريين معارضين مثل الراحل الدكتور جمال الأتاسى الرمز القومى والناصرى المعروف، وقابلت الروائى السعودى الكبير عبد الرحمن منيف فى منزله، وذهبت إلى الفنان صباح فخرى، وسعيت إلى مقابلة الكاتب المسرحى الكبير، ولم أوفق لمرضه بالسرطان، كان الكل يسألنى عن مصر وحالها ورجالها من أهل الثقافة والفن وكل شىء. وعند المغادرة كان العناق حارا مع السوريين الذين اصطحبونا طوال 14 يوما، وتمنيات بلقاءات جديدة.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة