فى المولد من الصعب أن تستمع إلى سيموفونيات، مَثَل ينطبق على حالتنا التى نتزاحم فيها على الحدث، حتى نكاد نندمج معه. وسرعان ما نتركه وننساه، لنمسك بغيره وكأنه لم يوجد من قبل. وبعد أن كنا فى حالة صراع كروى، انقلب إلى حرب إعلامية مع الجزائر بسبب مباراة. أصبحنا وبلا مقدمات فى جدل الانتخابات الرئاسية. وكله يبدأ وينتهى فى الإعلام.
فقد انتقلنا من جدل الكرة، إلى جدل السياسة، الذى اندلع، بعد بيانات وإعلانات الدكتور محمد البرادعى وشروطه لترشيح نفسه للرئاسة. وهو جدل بدأ بسرعة، وبعد أيام من خطابه الاعتزالى، فى الهيئة الدولية للطاقة النووية.
البرادعى اشترط إحداث تعديلات سياسية ودستورية، لترشيح نفسه. وهى شروط بدت وكأنها اعتذار مغلف لمن طالبوه بالترشيح، وهم حتى الآن تيارات ومجموعات غامضة، وغير محددة. أحزاب صغيرة، أو "جروبات على الفيس بوك".
إعلان البرادعى أثار حساسية فريق "كل واشكر" فى الحزب الوطنى ومعاونيه فى الإعلام، وأثار شهية سياسيين وإعلاميين وهواة أضواء وزعماء فيس بوك، وجدوا فى البرادعى قشة يتعلقون بها بعد شهور من الفراغ السياسى، وتراجع دور حركات الاحتجاج، التى خفتت، وفقدت بريقها وجاذبيتها. وكان يجب البحث عن حدث جديد ينشغلون به.
إعلان البرادعى غطى على ترشيحات سابقة للدكتور أحمد زويل أو السيد عمرو موسى، بل إن الأضواء انحسرت عن الدكتور أيمن نور الذى شغل الأحداث طوال أسابيع، لكنه اختفى مؤقتا، انتظارا لحملة تعيد إليه الأضواء.
البرادعى هو نجم الأيام الحالية، وربما يكون نجم الشهور القادمة فى الفضائيات والصحف، خاصة وأن بياناته والتعليقات عليها، نشرت بنفس الطريقة فى الصحف الخاصة اليومية الثلاث، كما أن الهجوم عليه جرى بنفس الطريقة فى الصحف الحكومية. وكأنها أدوار محددة، وموزعة، ومرسومة، وقد تكون مصادفة. فإلاعلام يبحث عن موضوع ساخن، وليس هناك أسخن من قضية الترشيح للرئاسة، لأنها سوف تسحب معها وتجدد الحديث والجدل حول الإصلاح الدستورى، والسياسى، وضرورة الخروج من عنق الزجاجة، كما أنها ربما تعيد إحياء الحديث عن الحراك الذى ارتفع إلى قمته من نهاية 2004 إلى نهاية 2005 واختفى كأن لم يكن. وقد نعود إلى حالة جديدة من الهيصة السياسية، ونستمع إلى آراء السياسيين والمحللين والغاضبين والعابرين والمقيمين وهواة الأضواء، ولن يكون هناك وقت ليستمع أحد لغيره. رأينا مقدمات هذا الجدل فى صورة مطالبات بتعديل الدستور والقوانين المنظمة للعمل السياسى، وهو زخم لا شك سوف يصنع حالة من السخونة السياسية، التى ستحرك الأجواء، وكأننا فى حالة سياسة.
ويفترض أن يثير هذا شهية النظام، وإلا يثير غضبه، لأنه سيغير مزاج الملل، ويعوض حالة الإحباط بعد فقدان فرصة كأس العالم.. ويعيد حماسا سياسيا خفت بعد انتهاء أحلام الإصلاح فى 2005، وسقوط رهانات البعض على ضغوط خارجية، أو تحركات داخلية.
فى عالم السياسة من الصعب إدراك النيات الحقيقية للسياسيين، ولهذا ينبغى النظر ببعض الحذر إلى طريقة تعامل التيارات المختلفة مع بيانات البرادعى، فدعاة الإصلاح السياسى وجدوها فرصة للدفع بمرشح أو الوقوف خلف مطالب البرادعى وشروطه، لكن الأمر داخل النظام بدا مختلفا فقد سارع تيار الحزب الوطنى بالهجوم على البرادعى واتهامه بأنه لا أى ميزة، وأنه يحاول الانتقام، وتمثل هذا فى ريئيسى تحرير الأهرام والجمهورية، بينما ظهر تيار آخر ممثلا فى الدكتور عبد المنعم سعيد بدا أكثر تعقلا وموضوعية، لم ينسحب إلى الهجوم وإن كان وجّه انتقادات وتساؤلات إلى البرادعى، حول مواقفه فى إدارة هيئة الطاقة النووية وصمته على غزو العراق وارتباكه فى إدارة الملف النووى الإيرانى. ربما كان هناك تيار فى النظام لا يرى بأسا من حالة "البرادعى" فى الإعلام والساحة السياسية التى يمكن أن تصنع زخما يساعد فى تسخين الأجواء، دون أن يسبب خسارة للنظام، ربما يفيده. وهو ما سوف نراه فى الأيام القادمة.