أيا كان سبب الإفراج عنه، المهم أن أيمن نور الآن حر طليق وسط ولديه وزوجته الرائعة، هادئ يتشاجر «الفضائيون» عليه لكى يقول الكلام نفسه، يقوله بثقة «مجروحة» ورغبة متلعثمة فى قراءة المشهد الذى تغير كثيراً وهو فى «طرة»، لقد دخل السجن وحركات التغيير تملأ الشوارع والصحف، وخرج وأدوية الاكتئاب مزدهرة، ولم تعد هناك نكات جديد فى الأسواق، التقى - أول ما خرج - وزير الداخلية مصادفة فى صلاة الجمعة بمسجد مجاور لمنزله فى الزمالك «وزير الداخلية الذى رفض تنفيذ الحكم القضائى بتمكينه من صلاة الجمعة فى السجن»، خرج متسامحا مع خصومه باستثناء أحمد موسى ومحمد على إبراهيم وعبدالله كمال، أرسل له كمال الشاذلى علبة شيكولاتة وهاتفه على الدين هلال، ولم يتصل به الشريف وسرور بعد، خرج وحزبه منتصر انتصاراً محسوباً فى الوقت الذى تعانى فيه الحياة الحزبية من هزيمة «نكراء»، والليبرالية التى يحمل لوءاها أصبحت «ليبراليات»، قال إنه مهتم بالحوار مع جمال مبارك وقال أيضا إنه ضد التوريث وإنه لن يترشح للرئاسة، والإفراج عنه لا يعنى أن انفتاحاً ما سيحدث، لأن أوراق النظام التى نعرفها أقل بكثير مما لا نعرف، النظام يعتبر «تكتيف» الحياة السياسية والثقافية والصحفية هدفاً «استراتيجياً» من أجل مستقبل الأجيال القادمة!.
وأنا سعيد جداً بالإفراج عن أيمن نور لأنه عوقب أكثر مما ينبغى بسبب شىء لا نعرفه ولا علاقة له بالتزوير فى أوراق رسمية، وأظن أن دوراً «ما» ينتظره لكى تكشف مصر عن «وجهها الحضارى» فى «المناطق»، خرج أيمن نور والإضرابات تتنامى ويتدخل السيد الرئيس فتنتهى، كلها إضرابات مشروعة وقلوبنا معها فى معظمها «نضالات» من أجل علاوة وشريحة ضرائب واشتراك ناد «على حد تعبير الموهوب الكبير جلال عامر فى «البديل» فى نضال ضد وزارة المالية «التى عولج وزيرها على نفقة الدولة بـ 60 ألف دولار بخلاف 365 ألف جنيه تكاليف سفره هو ومرافقته»، وقبل سبعين عاما أضرب عمال ورش السكة الحديد من أجل الجلاء وتوقف الترام من أجل الحرية.
أنت أمام مشهد عبثى اعتبر عاموس جلعاد مدافعاً عن المصريين الذين يهينون أنفسهم وأنه الرجل الذى قال لا «المصرى اليوم»، تابعت ما تناولته معظم الصحف حول معركة «تكسير العظام» «كما أسموها» بين جلعاد وأولمرت، كأن هناك فرقا بين الرجلين اللذين يلعبان فى فريق واحد، يقتل ويشرد فينا، وكأن «معاريف» أصبحت مصدرا للمعلومات وتتبنى الصحف المصرية قضاياها!.
«إسرائيل تسرق تاريخك وحضارتك، ثانياً ليس لديهم حضارة، وبمعنى آخر ليس لديهم دولة ولا يستحقون أن يكون لديهم دولة، لذلك خلقوا دولة بالقوة» هذا الكلام ليس كلام عبدالحليم قنديل، ولكنه كلام وزير الثقافة فاروق حسنى نشر فى روزا اليوسف فى مايو 1997 وأصبح «مستمسك» عليه فى الحملة اليهودية ضد ترشيحه لليونسكو ضمن وثيقة قدمت للكونجرس الأسبوع الماضى - كما ذكرت الشروق - تتهمه بمعاداة السامية ووقوفه ضد التطبيع، وأظن أن ما قاله الوزير قبل 12 عاماً مازال صحيحاً وأنه فى موقف قوة حتى لو لم ينجح، أما حكاية ترشيح زاهى حواس بدلاً منه كما ذكرت الصحيفة نفسها، فهذا شىء مضحك، لأن حواس رجل إعلامى أكثر منه رجل ثقافة، وبالطبع فاروق حسنى - رغم خلافاتنا معه - أفضل، ومازلت مقتنعاً أن ترشيح حسنى ضرورى، حتى لو نجح اللوبى الصهيونى فى إقصائه ستكسب الثقافة المصرية التى تخوض المعارك الحقيقية بدون أجر وبدون «شكراً»، وتشكل - رغم الكلام السخيف عن فقدان مصر لريادتها الثقافية- جداراً صلباً ضد الطموح الصهيونى والذى لا يتحدث عنه الفكر الجديد فى الحزب الوطنى ولا الحاصلون على «الليبرالية القديمة» ويعملون فى السياسة والمجتمع المدنى.
قبل عام تقريبا قلت - بحسن نية - إن حال مصر يشبه حال نادى الزمالك، مواهب وإمكانيات ومع هذا نتائجه مخيبة وانتقدنى الزميلان محمد على إبراهيم وعبدالله كمال كل فى موقعه، ولكن اهتمام جمال مبارك بالنادى العريق وقوله إنه لا يمكن أن يهبط لـ «الدرجة الثانية» جعلنى أطمئن على مستقبل مصر.. ولا أخفى تأثرى البالغ بكلام مصطفى رياض لاعب الترسانة العجوز، وصورته وهو يبكى فى ملحق نجوم الرياضة «أخبار اليوم» وقوله:
«ياريت يسيبونى ألعب حتى لو زحفت على ركبى داخل الملعب.. أنا مستعد أعمل أى حاجة بس الترسانة ماينزلشى».