كم مرة قرأت أو سمعت هذه العبارة «والوفد المرافق له»؟.. مع كل زيارة خارجية أو داخلية للرئيس، وتشكل مع جملة فى النشرات الجوية «عن معدلاتها فى مثل هذا الوقت من العام»، حالة غموض فارغ، والمقصود بـ«الوفد المرافق له»، الوزراء والمسئولين الذين يرافقون الرئيس ويركبون الطائرة، ويصطفون على طريقة البروتوكول «القصير قدام والطويل ورا» ليسلموا على المضيف، ويبتسموا أمام الكاميرات.
وفى هذا الوقت من العام تظل الحكومة فى كثير من الأحيان تقوم بدور «الوفد المرافق له»، يصطفون فى انتظار تعليمات الرئيس، فى أزمة الصيادلة، والصحفيين، والمقطورات، والعمال، والأطباء، والمحامين، فى أبسط القضايا، تقف الحكومة ويجلس الحزب وينام البرلمان، يفكرون ويتجاهلون، وعندما يصلون إلى الحل يكون بالصدفة «تعليمات الرئيس». التى تصدر بناء على تقارير أمنية، أو لقاءات مصادفة بدون ترتيب، واذا لم تصدر التعليمات لا أحد يتحرك، المشكلات تدور على الهواء، بينما ردود الأفعال «مسجلة».
وإذا كانت مشكلات الناس مع الضرائب، أو أصحاب المقطورات مع المرور، أو حتى ديون الفلاحين لدى بنك التنمية، كلها تحتاج إلى تعليمات الرئيس لتأخذ طريقها للحل، فكيف يعلن رئيس الوزراء أن المظاهرات والإضرابات دليل قوة وليست دليل فوضى، هى بالطبع ليست علامة فوضى، لأنها تبقى تحت سيطرة أجهزة الأمن، لكن لا يمكن اعتبار الإضرابات من بين إنجازات الحكومة، وأمانة الإضرابات بلجنة السياسات، المتفرع من كورنيش النيل.
قوة الدولة كما هو وراد فى «كتب الطبخ، وأساسيات علوم التنجيم»، تنبع من سرعة التفاعل مع الأحداث، والقدرة على مواجهة الأزمات، والوقاية من الاضطرابات، وليس من عدد المظاهرات والإضرابات.
وزير المالية هو الذى خلق أزمة مع الصيادلة، ورفض التراجع، ثم تراجع. الحكومة والبرلمان أعدا قانون المرور وتجاهلا أصحاب المصلحة، ولما تظاهر أصحاب المقطورات وخسر الاقتصاد عدة ملايين، أبدت الحكومة لينا لم تظهره قبل المشكلة ولا بعد الأكل ولا قبل التعليمات.
قبل الصيادلة والمقطورات كانت مظاهرات وإضرابات موظفى الضرائب العقارية، والمعلمين والأطباء وسائقى السكك الحديد وعمال المصانع تطالب ببدلات أو طلبات يمكن تحقيقها، المفاوضات مع الغاضبين تديرها أجهزة الأمن، وتجلس الحكومة على «دكة الاحتياطى»، وهو دور جديد للأمن اختلف عن السابق، عندما كان يتلخص فى قمع المظاهرة أو الإضراب، وإحالة المتهمين إلى نيابات ومحاكم أمن الدولة. أجهزة الأمن تلعب دورا فى التفاوض، والمتابعة، وترفع تقارير، وتكون الأزمة تعقدت، وفى الغالب فإن الحل لا ينبع من الحكومة أو الوزارة المعنية، لكنه يأتى فى العادة من الرئيس الذى تبدو تعليماته سحرا ينزل على المشكلة فيذيبها فى الحكومة والحزب والبرلمان، وفى القضايا الكبيرة والصغيرة، فى تعديل الدستور وبناء الكنائس، وحتى بناء المدارس أو صرف بدل التدريب للصحفيين.. أمس الأول فقط أصدر الرئيس تعليماته للحكومة بإسقاط نصف ديون الفلاحين لبنك التنمية، مع أنه أعلن ذلك فى برنامجه الانتخابى قبل أربع سنوات، وتكرر الوعد من الحكومة والحزب الوطنى، لكنه لم ينفذ حتى عادت التعليمات، لتنشيط التعليمات السابقة والأسبق.
الرئيس دستوريا هو رئيس السلطة التنفيذية، لكنه ليس رئيس الحكومة، لكن غياب المبادرة من الحكومة يجعل الرئيس يقوم بدور الحكومة، التى تقوم بدور المحافظين، الذين يقومون بدور رؤساء المدن، ويصبح الهرم مقلوبا أو مربعا، وتضيع المؤسسات و«المؤسسية» لأن الحكومة والبرلمان والحزب يفضلون لعب دور «الوفد المرافق له».
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة