هذه لعبة سياسية.. وهذا تسييس للأزمة، هكذا تتحدث الحكومة والمعارضة، والأنظمة العربية فى مواجهة خصومها وشعوبها والعالم.. عند كل أزمة أو منعطف أو منزلق، يتهمون السياسة، التى يلعبونها صباح مساء، يلعنونها فى العلن، وهم غارقون فيها حتى آذانهم.
آخر المناسبات التى أطلقت فيها كلمة «تسييس»، هى قضية الرئيس السودانى عمر البشير، وطلب ضبطه وإحضاره من المحكمة الجنائية الدولية بعد اتهامه بارتكاب جرائم حرب فى دارفور، اعتدنا إطلاق الوصف «تسييس» فى مواجهة قرارات الأمم المتحدة ومجلس الأمن، مع وصفها بالازدواجية والانحياز،.الرئيس السودانى ومؤيدوه وصفوا الأزمة بالمسيسة. البشير انصرف للرقص كعادته فى السراء والضراء.
نعم هناك مصالح سياسية واقتصادية وراء الأزمة.. أمريكا وبريطانيا وألمانيا وفرنسا دعموا حركات التمرد، لأسباب سياسية واقتصادية، النفط والمنافسة مع الشركات الصينية والماليزية والهندية، السياسة حاضرة فى تاريخ السودان مع انقلاب عبود ومن بعده جعفر نميرى ثم سوار الذهب، وحكومة الصادق المهدى حتى «الإنقاذ» عام 1989، هناك صراعات قبلية وعرقية ودينية فى السودان كلها تأخذ شكل السياسة، والرئيس البشير يحكم كأى ديكتاتور عربى، يرفض ترك الحكم أو وضع قواعد لتبادل السلطة أو إشراك الشعب، يحكم منفرداً بالمناورات والتحالفات، يعنى «بالسياسة»، أمريكا لا تريد العدالة، ولا البشير يريد، بل هى لعبة مناورات وتحالفات ومصالح، والرقص فيها بحساب.
الرئيس البشير لعب سياسة حتى شبع مع خصومه وحلفائه السابقين والحاليين.. مع حسن الترابى، حليفه السابق قربه وحالفه ثم رماه، وعزله وحبسه، فعل ذلك مع الإسلاميين والقوميين، وعندما منح كارلوس الأمان سلمه للسجن، وتحالف مع بن لادن، عندما كانت مصالحه معه، وطرده بعد انتهاء المصلحة، البشير جاء بالصدفة، لكنه حكم مدة أطول من المحترفين، كل هذا بالسياسة التى يجيد اللعب بها، وهى التى سوف تخرجه من الأزمة رابحا أو مخلوعا.. السياسة هى التى تصنع الإرهاب، وهى التى تزعم مكافحته، هى التى أتت بالبشير وتبقى عليه. لماذا يرقص إذن اعتراضا على سياسة هو مدين لها بكل شىء؟.
السياسة هى التى أنقذت الرئيس الليبى معمر القذافى من أزمة لوكيربى، وليس المظاهرات والمهرجانات. ليرقص البشير كما يهوى، لكنه بعد نهاية الرقصة، سيجلس للبحث عن مخرج، بقواعد الازدواجية الدولية، وليس بقوانين الرقص.
الأنظمة العربية تلاعب شعوبها سياسة وتتعامل بازدواجية مع الخصوم والمعارضين، ثم ترفض أن يلاعبهم بها الآخرون، يتهمون الازدواجية الدولية وينسون ازدواجيتهم.
السياسة هى التى أبقت البشير والقذافى، وهى التى تحافظ على الحزب الوطنى والإنقاذ، السياسة هى التى جعلت أمريكا تتحالف مع الرئيس العراقى صدام حسين ضد إيران، ثم تطيح به، وقبلها طالبان فى أفغانستان، وجعلتها تدعم الأنظمة القمعية فى المنطقة والعالم.
حتى وهى ترفع رايات الديمقراطية والإصلاح، أنها السياسة وليست الاستغماية. التسييس حاضر فى دارفور، وفى لبنان ومع سوريا، اغتيال الحريرى سياسة، ومحاكمة المتهمين باغتياله سياسة، دخول سوريا للبنان سياسة، وخروجها أيضاً سياسة، القمع والقتل والحرب الأهلية، والميليشيات والتحالفات سياسة.. كل هذا ويحتجون على السياسة بالسياسة، الرئيس البشير أو الرئيس الأسد أو أى نظام عربى يلعب سياسة مع سبق الإصرار والترصد، لن تنتهى قضية البشير أو محكمة الحريرى إلا بالسياسة، خلف الأبواب المغلقة، بعيداً عن الخطابات الحماسية لأنظمة عربية تستأسد على شعوبها، وتنحنى أمام الأقوى.
النظام الدولى مزدوج، والنظام العربى مزدوج، والنظام المصرى مزدوج، وهذه الازدواجية وتلك السياسة هى التى منحتهم أعماراً طويلة ليحكموا بعد انتهاء فترات الصلاحية وكل الوقت المستقطع.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة