معظم الذين أسعدهم قرار المحكمة الجنائية الدولية بالقبض على الرئيس السودانى، غلفوا سعادتهم بالمطالبة بإلقاء القبض على الحكام الإسرائيليين كمجرمى حرب وعلى بوش الابن لقتله مليون عراقى بناء على معلومات كاذبة، وكأنهم أصحاب قرار، فالمتحدث الرسمى لحزب التجمع (شارع الأنتيكخانة) نبيل زكى قال إنه لا يجب أن نتورط فى الدفاع عن مجرم حرب، تماما كما تحدث الرفيق وليد جنبلاط والزعيم أيمن نور والدستورى أسامة الغزالى حرب وأمريكا وبريطانيا (التى وصف المتحدث باسم حكومتها جون ويكلز الوضع بعد القرار بأنه حساس وهش)، القرار «سابقة خطيرة للنيل من استقلال الدول الصغيرة وسيادتها وخياراتها السياسية» على حد تعبير الأخ العقيد معمر القذافى، وجعل المملكة المغربية «تعرب عن انشغالها العميق لما قد يكون للقرار غير المسبوق الصادر فى حق فخامة السيد عمر حسن البشير رئيس جمهورية السودان الشقيق من تداعيات على الأمن»، القرار جريمة (على حد تعبير الشيخ القرضاوى) وعلى هذا الأساس ذهب وفد رفيع المستوى من إيران وسوريا وحماس لزيارة الخرطوم للقيام بالواجب وأيضا للتنديد بالغرب الذى«يكيل بمكيالين»، وبالطبع سافر السيد عمرو موسى لأن السفر جزء أصيل من عمله، القرار يمتلك مؤيدوه مبررات «مفهومة» ويمتلك معارضوه مبررات «عريقة».. ويجعلنا غير قادرين على الوقوف مع أى طرف، غير الشعب السودانى الشقيق الذى جرحت كرامته وأصبح فى مأزق يهدد بتقسيم أرضه، وظهرت البشائر مع تصريحات حركة العدل والمساواة برفض التفاوض مع البشير وحكومته، وبات مؤكدا أن وجود البشير فى السلطة فى الفترة القادمة يعنى أن السودان أصبح بلدا مارقا وأن رئيسه «مطلوب» أمام «عدالة غامضة» كان بين القضاة فيها محمد فائق وزير الإعلام الأسبق فى مصر وحبيب إفريقيا التاريخى، لم يصدر عن العرب كلام ذو قيمة فى الموضوع، لأنهم لم يدفعوا شيئا يذكر للسودانيين فى السنوات الأخيرة مقارنة بجهود الإغاثة الدولية، على حد تعبير نديم حصبانى المحلل فى مجموعة الأزمات الدولية ببروكسل للحياة، و«لأنهم يضعون أنفسهم خارج نظام العدالة الدولية، وكأن العدالة تستهدفهم بدلا من أن تساعدهم على إحقاق العدل لما فيه خيرهم»، ولكن العدالة الدولية هذة اعتبرها سودانيون رسميون فى مؤتمر حاشد بأسوان - قد انتحرت بهذا القرار، وأكد مدير مركز هشام مبارك لحقوق الإنسان أن القرار بداية لتنفيذ المطامع الأمريكية والأوروبية تجاه أفريقيا.
من الصعب أن تدافع عن البشير أو عن البطش «العربى» ضد الأفارقة فى دارفور أو عن طرده للمنظمات غير الحكومية، ومن الصعب أيضا أن تشعر بالسعادة بسبب الحكم الذى يتجاهل الناطقون به مجرمى إسرائيل وأمريكا ضد الشعبين الفلسطينى والعراقى، أنت أمام مشهد محبط لأن بلدك الكبير «مصر» تقف مكتوفة الأيدى لا تعرف ماذا تفعل؟ وستزداد إحباطا عندما تقرأ لمرسى عطاالله فى أهرام السبت «المطلوب للأسف الشديد فى عصر القوة أن تدخل الدول الصغيرة بيت الطاعة حتى تنال شرف تصنيفها ضمن لوائح الاعتدال ولا يتم اتهامها بعرائض الاتهام التى تبدأ بتهمة عدم احترام حقوق الإنسان، وتتدرج حتى تصل إلى تهمة ارتكاب جرائم حرب».
هذه النبرة غريبة على مصر الرسمية وعلى الأهرام، أولا لأن كلمة «الاعتدال» أصبحت كلمة سيئة السمعة «نحتتها» الإدارة الأمريكية لصالح إسرائيل، ثانيا لأن السودان المهدد بالتقسيم وبالدخول فى دوامة من الفوضى يهم مصر أكثر من غيرها، وكنا ننتظر منه أن «ينورنا» ويقدم قراءة غير محبطة، بدلا من قوله «الحمد لله أن مصر العظيمة بسياستها الحكيمة تدرك جيدا الفرق بين الاعتدال والتخاذل، فالاعتدال إعمال للعقل فى القدرة على التمسك بالحق، فى حين أن التخاذل هو التطرف السلبى من خلال تضخيم الإحساس بالخوف من الخوف»، وأظن أن هذا الكلام يجعل تعبير «حساس وهش» لا ينطبق على السودان فقط.