أن تعذب زوجة أب طفلتى زوجها، وإلى هذه الدرجة من الوحشية التى تجعلها تربطهما بالحبال وتمنع عنهما الطعام، وتضربهما، وتشوه جسديهما، لأن إحداهما أخذت "برتقالة" من الثلاجة دون إذن؛ فهو يكشف بالتأكيد عن شخصية مريضة؛ لكن لا يمنع هذا من التساؤل عن سبب وجود الطفلتين بالأساس معها؟ تحكى الواقعة أن الأب بعد طلاقه لأم ابنتيه، انتزعهما منها، وتزوج بأخرى، ثم سافر للعمل فى الخارج!
اعتقد الأب أنه أختار أماً "بديلةً" لبناته، لمجرد أنه رآها كذلك، ولم يفكر أبداً أنها مهما كانت إنسانة رائعة، فإن ذلك لا يعنى أنها ستكون أماً أخرى، تغنى بناته عن أمهن التى لا تزال على قيد الحياة! ولأن هذه الزوجة لم تكن إنسانة رائعة ولا يحزنون، فقد عذبت ابنتيه وهو فى الغربة مطمئن البال.
الحادثة التى نشرتها الصحف هذا الأسبوع ليست نادرة الحدوث، يمكن تمييز تكرار شبيهاتها بشكلٍ شبه يومى فى صفحات الحوادث، الفتاتان إحداهما فى السابعة من عمرها لا تزال، والأخرى فى الحادية عشرة، أى أنه يحق للأم الاحتفاظ بحضانتهما شرعاً وقانوناً، ولا يحق للأب الحصول عليهما إلا فى حالة زواجها، أو بأساليب تلاعب قانونية.
تكرار حوادث اعتداء زوجات الأب على أطفال أزواجهن بالضرب، وتعذيبهم حد القتل أحياناً، وإن كان يعكس بالأساس شخصيات مريضة، لكنه يؤكد بلا جدال أن الأم أحق بأبنائها، ولا ينكر عاقل أن قدرة الأم على تحمل أطفالها، هى قدرة لا ينافسها فيها أحد مهما أحب هؤلاء الأطفال، وأنه لا يجوز مطلقاً أن تكون الأم على قيد الحياة، وتربى أخرى أبنائها، خاصةً إذا كانت لا تمت لهم بصلة سوى زواجها من أبيهم، والذى يضعها ـ الزواج ـ فى موضع عداء (ترسخه مجتمعاتنا الشرقية) مع كل ما يمت بصلة للزوجة الأولى.
وبرغم أن القانون منح مؤخراً للأم حق حضانة البنت والولد حتى الخامسة عشرة، وبعدها يحق لهما اختيار مع من تستمر الحياة، إلا أن هذا القانون لا يطبق سوى على حالات الطلاق التى وقعت بعده، ومن ناحية أخرى، لا يكون أمام الأم إلا الاستمرار وحيدة فى الحياة بلا شريك، إذا أرادت الاحتفاظ بحضانة أبنائها، وهو ما ليس عدلاً، صحيح أنه يحق للرجل التحفظ على أن يعيش أبناؤه مع رجلٍ آخر، ولكن ما الفرق؛ إذا كانوا سيعيشون مع امرأة أخرى، تجد نفسها مجبرة على رعايتهم و"تربيتهم" و"محبتهم"! .
المحبة لا تشترى؛ ومشاعر الأم وقدرتها على التضحية لأجل أبنائها كذلك.