من السخرية إلى الشجن، ومن التاريخ إلى الحاضر.. من النضال من أجل وطن تسوده العدالة، إلى الأمل فى وطن عربى واحد، تبقى المسيرة المضيئة للكاتب والمؤلف والسيناريست الرائع محفوظ عبدالرحمن الذى يرقد الآن مريضًا، وإليه دعوات بالشفاء من محبيه على طول الوطن العربى وعرضه.
محفوظ عبدالرحمن صديق كل مشاهد لمسلسلات التليفزيون، ونجمه الذى يسرق قلوب المشاهدين وهم فى أتم الرضا وأسعد الأحوال، اسمه على أى مسلسل علامة تجارية لعمل فنى من العيار الثقيل سيضيف الكثير إلى وعينا.
قدم أم كلثوم للأجيال الجديدة التى لم تعاصرها فأعاد اكتشافها لهم، وكتب «ناصر 56» عن أكثر المناطق إضاءة فى تاريخ جمال عبدالناصر والمنطقة العربية، فأكد أن إرادة الشعوب لاستقلالها الوطنى لا تهزمه قوى الظلم والطغيان مهما كان جبروتها.
وقدم فى «بوابة الحلوانى» وفى سياق إنسانى جميل قصة شق قناة السويس، وعصر الخديو إسماعيل ووزيره إسماعيل المفتش والمطرب عبده الحامولى وزوجته المطربة ألمظ، وأجبر قلوبنا على التعلق فى المسلسل بشخصية «أشرقت» سليلة عائلة محمد على باشا التى أحبت جنديا بسيطا من أبناء الشعب المصرى، وفضلت عليه كبار القوم وباشاواته الذين ذابوا فيها، مؤكداً بذلك حقيقة قدرة المصريين على تذويب الآخرين فى نسيجهم، وأن البسطاء هم وقود تجاربنا التاريخية، كما حدث فى شقهم قناة السويس.
محفوظ عبدالرحمن لا يقول التاريخ كحواديت للتسلية، التاريخ عنده تجربة تنفع الناس، ربما يكون هذا التاريخ شخصا يحاورك يبوح إليك بأسراره، يقول لك قصيدة عشق عن الأرض والناس الطيبين لأنهم منى ومنك، وربما يكون التاريخ تجربة تحتوى على ثراء عظيم فتقف عند أعظم العبر فيها كما جاء فى صراع الطوائف الذى أدى إلى سقوط الأندلس فى مسلسله «الكتابة على لحم يحترق».
يختار محفوظ أعظم إشراقات التاريخ حتى نتمسك بالأمل عبر ما قدمه آباؤنا وأجدادنا، وإن اختار منه محطات التدهور فلكى يدق لنا جرس الإنذار، هو لم يبخل بنصيحتى وعونى وأنا أكتب كتابى «أم كلثوم وحكام مصر»، ولما سألته لماذا قدمها بصورة أقرب إلى المثالية فى مسلسله الشهير عنها؟، فأجاب: «ماذا يفيد الناس لو تعرضت فى سيرة هذه السيدة العظيمة إلى أنها مثلا تزوجت من الكاتب الصحفى الراحل مصطفى أمين، أو أى أشياء أخرى تتعلق بسلوكها الشخصى؟»، أضاف: «الباقى هو كيف أسست مشروعها الفنى العظيم، وكيف تحولت من فتاة ريفية رغم كل المعاناة إلى رمز كبير، نحن نحتاج إلى سير من هذا النوع حتى تثق الأجيال فى رموزها التى لم تشاهدها».
على نفس النسق كتب قصة كفاح وألم ومرض عبدالحليم حافظ، هذا الفتى النحيل الذى صاغ وجدان أجيال بصوته الشجى الجميل، ولم يحالف الفيلم حظ النجاح بسبب مرض بطله أحمد زكى وموته.
قدرة محفوظ الهائلة فى الدراما لا تقل عنها حكاياته الممتعة، فهو حكاء مقتدر، بالإضافة إلى كتاباته الساخرة الجميلة التى يضحك لها قلبك، وهى كتابة مزينة بالتجارب الإنسانية والاجتماعية، أذكر مرة أننى -وبحكم موقعى فى أحد مكاتب الصحف العربية وكان يكتب فيها مقالا أسبوعيًا- نقلت إليه شكوى من سوء خطه، وعدم إتقانه الإرسال عبر «الفاكس»، فأرسل فى الأسبوع التالى مقالين ساخرين رائعين، واحدا عن سوء الخط عند كبار الكتاب والمفكرين، وآخر عن رحلة عذابه مع «الفاكس».
محفوظ عبدالرحمن.. ألف سلامة، ودعوات بالشفاء للعودة لمحبيك.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة