مثلما يوجد طعام فاسد لا يمكن للإنسان أن يتناوله حتى لا يعرّضَ جسده لغزو الأمراض وألاعيبها المميتة، هناك أيضاً كتابة فاسدة تصيب من يقرئها بعطبٍ فى العقل وتلفٍ فى الوجدان!
صحيحٌ أن الذى يأكل طعاماً فاسداً يلقى، إذا كان محظوظاً، الرعاية الطبية الواجبة التى تسيطر على الآثار السلبية لهذا الطعام الفاسد، إلا أن البشر لم يبتكروا بعد طريقة للشفاء من الأثر السيئ لتلقى الكتابة الفاسدة! اللافت للانتباه أن الكتابة الفاسدة لها أكثر من وجه يدعم حضورها ووجودها على الدوام، خاصة فى أزمنة الانحطاط التى يمر بها المجتمع، أى مجتمع!
أسوأ أنواع الكتابة الفاسدة وأكثرها خطراً تلك التى تخاصم العقل وتمجد الخرافة، ترفض المنطق، وتشجع الخزعبلات.. وما أكثرها هذه الأيام فى بلادنا العربية! ذلك أن التخلف الذى تغرق أمتنا فى بحوره منذ قرون يعود بالأساس إلى أننا لم نعرف بعد فضيلة استخدام العقل فى تحليلنا للظواهر، أياً كانت هذه الظواهر.. اجتماعية، سياسية، اقتصادية، ثقافية.. وغيرها.
لاحظ، أرجوك، أن العرب لم يخترعوا شيئاً ذا قيمة منذ ستة قرون، كذلك لاحظ أن كل ما تستخدمه وتتعامل معه فى حياتك اليومية الآن مثل السيارة والموبايل والكمبيوتر والجريدة والفضائيات... إلخ، كل هذا ابتكره الغرب، وما نحن إلا له مستهلكون!
صحيحٌ أننا شاركنا بنصيبٍ وافرٍ فى إثراء الحضارة الإنسانية إبان ازدهار الدولة الإسلامية، إلا أننا منذ أن خاصمنا العقل وصادقنا الخرافة وخلطنا المقدسات بالأساطير وأحوالنا تسير من سيء إلى أسوأ، ولعل الكارثة التى نعانيها حالياً، وهى وجود دولتين لنا تحت الاحتلال (العراق وفلسطين)، تؤكد ذلك!
من سمات الكتابة الفاسدة أيضاً تلك التى تمجد الديكتاتوريات وتزيف الحقائق وتخرب الوعى من أجل مكسب هنا أو مغنم هناك، وما أكثر ما نقرأ من كتابات مشبوهة تسعى لترسيخ الوضع العربى القائم بكل موبقاته، من أول غياب الديمقراطية حتى سوء التخطيط، مروراً باستشراء الفساد وكبح الحريات ونشر التفاهة باسم الترفيه!
يندرج أيضاً تحت باب الكتابة الفاسدة كل الكلام المنثور الذى يخلو من حرارة اللغة والعبارة المدهشة، حيث شاعت فى الآونة الأخيرة كتابات مضجرة تحتشد بجمل مرتبكة، إذ يفتقد أصحابها الحس اللازم بالرنين العذب للغة العربية وإيقاعها العام! إذا بدأت بقراءة أول فقرة من هذه الكتابات إياها فلن تستطيع أن تنهيها نظراً لأسلوبها الممل وخلل بنائها الفادح والفاضح، وإذا كنت من الصابرين على المكاره وأكملت الفقرة فلن تتمكن من اقتناص عبارة واحدة تعلق فى وجدانك من فرط حلاوتها، أو تكتشف صياغة مغايرة لما هو سائد ومكرور.
كذلك لن تحظى باشتقاق جديد أو عبارة فياضة بالجرس اللغوى الساحر! الكتابة الفاسدة وباء ينتشر بسرعة مذهلة ليدمر العقول ويحطم الوجدان، وإذا لم نتصدَّ لهُ بكل السبل، فالمستقبل معتم.. وهو ما لا نتمناه!
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة