"جزى الله الشدائد كل خير عرفت بها عدوّى من صديقى"، لا أعرف هل كان الشاعر الذى قال هذا شخصا نكديا أم مكتئبا أم متفائلا ومتصالحا مع نفسه ومع زمانه، أم أنه كان يستشرف المستقبل؟ فكثير من الناس يرون فوائد ومكاسب كثيرة فى الشدائد تعود عليهم بالخير، ومن يقف على يسار شاعر فسوف يجد من يدعو لصديقه الحبيب من كل قلبه دعوة راديكالية قائلا: "ربنا ينوّر بيتكم بحريقة"، فبالرغم من أن الحريق سوف يلتهم البيت أو على الأقل سوف يلتهم جزءا كبيرا من البيت إلا أن النار سوف تضئ البيت بعد ذلك فيتمكن من بنائه مرة أخرى على أساس متين، وفى يوم من أيام عام 76 كنت فى بيت المفكر الكبير الدكتور "عبد المنعم تليمة" وكان موجودا المفكر الكبير طارق البشرى والفيلسوف المصرى الدكتور حسن حنفى والشعراء الكبار حلمى سالم وحسن طلب وأمجد ريان وبعض الأصدقاء الآخرين وسمعت من يقول – ربما يكون طارق البشرى أو حسن حنفى – أن دعوة "ربنا ينوّر بيتكم بحريقة" والتى تداولت كثيرا بين أفراد الشعب المصرى قد ظهرت فى أعقاب حريق القاهرة مباشرة كنوع من التفاؤل بالحريق، وحريق القاهرة هو حريق كبير اندلع فى 26 يناير 1952 فى عدة منشآت فى مدينة القاهرة فى خلال ساعات قلائل التهمت النار نحو 700 محل وسينما وكازينو وفندق ومكتب ونادٍ فى شوارع وميادين وسط المدينة، كما أدت إلى تشريد عدة آلاف من العاملين فى المنشآت التى احترقت، وقد أجمعت المصادر الرسمية وشهود العيان على أن الحادث كان مدبرًا وأن المجموعات التى قامت بتنفيذه كانت على مستوى عالٍ من التدريب والمهارة، فقد اتضح أنهم كانوا على معرفة جيدة بأسرع الوسائل لإشعال الحرائق، وأنهم كانوا على درجة عالية من الدقة والسرعة فى تنفيذ العمليات التى كلفوا بها وسمعت الكاتب الكبير محمد حسنين هيكل يقول عن حريق القاهرة "مش معتقد لغاية هذه اللحظة مش معتقد إنه عملية حريق القاهرة بدأت بتدبير مقصود على هذا النحو لكن أنا باعتقد إنه كان ركام وعود كبريت قرّب من الركام والدنيا ولعت"، فحريق القاهرة كان من أحد أسباب قيام ثورة يوليو فإذا تصورنا – مجازا – أن ما حدث فى نادى الزمالك طوال الخمس سنين الماضية تقريبا هو نوع من الحريق الافتراضى وإذا أبعدنا عن تصورنا أن هناك من أشعل الحريق متعمدا وأخذنا بوجهة نظر الأستاذ هيكل فى تفسيره لحريق القاهرة وطبقناها على حريق الزمالك الافتراضى فسوف نتوصل إلى نتيجة مفادها أن حريقة الزمالك الافتراضية لم تكن حريقة مدبرة ولم تبدأ بتدبير مقصود لكنها بدأت من تراكمات وركام اقترب منه عود كبريت مشتعل فأشعلها فيما حاولت قوات المجلس القومى للرياضة إطفاءها فأشعلتها أكثر فيما حصد نادى الزمالك كل الخيرات والبطولات فى جميع اللعبات من نتائج هذه الحريقة الافتراضية، فقد حصل الزمالك على بطولات كرة اليد وكرة السلة وتنس الطاولة وانتزع للعام الثانى على التوالى بطولة أفريقيا فى الكرة الطائرة من النادى الأهلى فى اللحظات الأخيرة من المباراة التى كان الأهلى قد أعد لها العدة وانتزعها الزمالك منه فى عقر داره، وحتى فى الحروب وبالذات فى الحرب الأهلية التى تنشأ بين أفراد وجماعات الوطن الواحد، هناك من يصل إلى نتيجة تقول بفوائد كثيرة للحرب الأهلية منها مثلا أن الحروب من أكبر أبواب التضامن والتعاون بين الناس، وكثيراً ما تكون الحروب هى السبيل الوحيد لدفع تسلّط الظالمين والطغاة عن الأمم والمجتمعات وهيمنة الدول الكبيرة وتسلطها على الدول الصغيرة، فإذا تركنا يسار الشاعر الذى قال شعره فى الشدائد فسوف نجد من يقف على يمينه يرى أن من أهمّ إيجابيات الحروب أنها تعيد الناس إلى ربهم، وتذكّرهم بالتمسك بدينهم بعد الغفلة عنه، وسوف يرى كيف يكثر الناس فى المساجد عند الأحداث الساخنة، وكيف تقلّ جرأة الناس عن المعاصى، وكيف يلجئون إلى الله تعالى بالدعاء والتضرع والرجاء، وهذا هو شأن كثير من الناس، لا يعرفون الله إلا عند الشدائد كما يقولون، وعلى الجانب الآخر هناك من يرى أن الاستقرار يدفع الناس للتكاسل والتواكل وعدم الخوف من سود الأيام فى المستقبل، فإذا طبقنا هذا التصور على حالة الاستقرار الافتراضية فى النادى الأهلى فسوف يجد من يؤمن بهذا التصور أن حالة الاستقرار الافتراضية قد أدت بالنادى الأهلى فى العام الأخير من حريق الزمالك الافتراضى إلى خسارة النادى الأهلى لكل البطولات فى كل اللعبات، ففى حريقة الزمالك الافتراضية كان الجميع يخافون على مستقبلهم فأى مدرب فى أية لعبة من الألعاب غير آمن على مستقبله فى تدريب فريقه فأكبر مدرب لأكبر لعبة من الألعاب يمكن إقالته فى لحظة، فعليه أن يعمل بجدية حتى لا يفقد مكانه ومستقبله وعلى الناحية الأخرى سوف نجد أن حالة الاستقرار الافتراضية فى النادى الأهلى قد أدت إلى أن كل المدربين فى كل اللعبات وفى كل القطاعات قد أدت إلى إحساسهم بالأمان التام على بقائهم الدائم فى أماكنهم وعدم خوفهم من التغيير، بل تم منحهم جميع الصلاحيات والمميزات المادية والمعنوية وعدم تدخل الإدارة فى عملهم سواء بالتوجيه أو اللوم انتظارا لنهاية الموسم لإجراء حسابهم، لكن بعد أن تكون البطولة قد ذهبت إلى المنافسين وسط بكاء المشجعين، حيث لم يعد ينفع البكاء على البطولات الضائعة ليدخل المشجعون فى كابوس افتراضى ونحن نقول "افتراضي" لأن الرياضة فى مصر قد أصبحت حالة افتراضية مثل الحالة الافتراضية التى يقدمها لنا جهاز التليفزيون، فاللاعب الذى يراه المشجع فى جهاز التليفزيون يحرز الهدف فى مرمى الخصم ليس هو اللاعب الذى يراه فى الملعب، فلا حجمه هو نفس حجمه فى الملعب كما أن الجماهير التى نراها فى التليفزيون ليست هى نفسها التى نراها فى المدرجات الحقيقية بل هى صورة افتراضية تنعكس على شاشة التليفزيون أو الكومبيوتر الذى أصبح الجميع يمارس الرياضة من خلاله، ولأن التليفزيون والكومبيوتر يقدمان لنا صورة ما يحدث فإننا نرى الصورة وليس الحقيقة، فلم تعد الجماهير تستمتع باللعبات فى الملاعب الحقيقية، واستعاضت عنها بالفرجة على الصورة الافتراضية ولم تعد المناقشات بين المشجعين تتم عبر التلاحم الإنسانى الواقعى فى المنازل والمقاهى وأماكن العمل بل أصبحت المناقشات الإنسانية الحية التى تدفع الناس للتواصل الإنسانى أصبحت تدار فى الإنترنت، فى المنتديات والمواقع فى أجهزة الكومبيوتر التى لا تقدم الحياة الواقعية بالطبع بل تقدم لنا حياة افتراضية تشبه حياتنا لكنها ليست هى فأصبحنا نستمتع بالعالم الافتراضى الذى يقدمه لنا جهاز الكومبيوتر، وفقدنا متعة الإحساس بالعالم الحى الحقيقى، وهل يستطيع النادى الأهلى أن يستعيد البطولات المفقودة بدون مشجع حقيقى يشعر أن النادى الأهلى هو بيته الحقيقى؟ وليس مشجع افتراضى لا يرى فريقه إلا عبر شاشة التليفزيون؟ وهل نستمتع إلى مشجع أهلاوى حقيقى يشعر أن النادى الأهلى هو بيته الحقيقى يقول لصديقه المشجع الأهلاوى الافتراضى: "روح يا صديقى ربنا ينوّر بيتكم بحريقة".