لا تستحق الحكومة ومن يساندها من الأغلبية البرلمانية من نواب الحزب الوطنى أى شكر أو تقدير، لو تدخل الرئيس مبارك من أجل زيادة العلاوة الاجتماعية إلى 10 %، أو أكثر بدلا من النسبة التى أعلنت عنها وزارة المالية وقدرها 5 %، تدخل الرئيس سيعنى أن الحكومة لم تجتهد بما فيه الكفاية من أجل تحديد نسبة العلاوة بالدرجة اللائقة، كما سيعنى أن كل الحجج التى قالتها الحكومة لا تستند إلى أسس كافية أو مقنعة.
نواب الأغلبية الذين شاركوا مؤخرا فى اجتماع لجنة الخطة والموازنة وافقوا على مبدأ تخفيض العلاوة، وقاتل بعضهم فى تقديم المبررات، ومن ضمنها التعلل بالأزمة المالية العالمية التى أصبحت كالحمار التى يمتطيه أى كسلان، فمنهم من قال إنه لا بديل أمام الحكومة عن خفض العلاوة، وإن التخفيض أرحم من اللجوء إلى أساليب أخرى أكثر قسوة فى التدبير لتوفير الملايين فى حالة رفعها، والمؤكد أن تلك التقديرات تأتى على العكس تماما من مطالب الناخبين الذين يمنحون أصواتهم لهؤلاء النواب، فهل فعل النواب ما فعلوه وهم يعلمون تماما أن الانتخابات المقبلة سينجحون فيها حتما بعد إلغاء الإشراف القضائى عليها، وتلك زاوية غائبة فى تناول الموضوع الذى اقتصرت المناقشات حوله على الجانب الاقتصادى وفقط.
أما الحجج التى رددتها الحكومة وساندها فيها بعض نواب الأغلبية، فهى لا تهم المحتاجين إلى الجنيهات القليلة التى ينتظرها عاما بعد الآخر كل موظف يعيش على الفتات، ولا يلبى مرتبه مطالبه الحياتية الملحة، كما لا يهم هؤلاء المحتاجين أرقام الدكتور يوسف بطرس غالى وزير المالية التى يضعها بقلب جامد، ويسد من خلالها أى أفق لتحسين مستوى المعيشة، كما حدث منه فى عناده مع فئات اجتماعية مختلفة مما اضطرها إلى التظاهر للضغط من أجل الحصول على حقوقها، والمفارقة أن تلك التظاهرات لم تكن من أجل الديمقراطية وحقوق سياسية أخرى، وإنما من أجل جنيهات قليلة قد تساهم فى شراء الخبز مثلا.
معادلة يوسف بطرس غالى والحكومة معه أدت تدريجيا إلى فقدان الثقة الشعبية فى الحكومة، ولم تفلح معها حملات الترويج والتأييد، والدليل يأتى من تدخل الرئيس مبارك فى أكثر من قضية لحسمها، كما حدث فى إضراب موظفى الضرائب العقارية، وقضايا أخرى عديدة، وبدا هذا التدخل سحبا من رصيد الحكومة وليس إضافة إليها، وتأكيدا على مقولة أنها ليست أكثر من سكرتارية للرئيس، لكن المشكلة أنها سكرتارية فاشلة، فبدلا من تفهمها أن الأزمة المالية سيكون المواطن العادى البسيط هو أول من سيدفع ضريبتها، وبالتالى عليها أن تتحمل المسئولية فى إعانته، لجأت إلى أسهل الحلول بتخفيض العلاوة، مما أدى إلى مزيد من غم ونكد الموظفين، واستكمال لفقدان الثقة فى الحكومة.
يبقى الأمل فى عرض الأمر على جلسات مجلس الشعب المقبلة، وتنبه نواب الأغلبية إلى أن تأييدهم لرأى الحكومة سيكون خطأ كبيرا فى حق دوائرهم، وفى هذه الحالة سيكون الرأى نابعا من الإرادة الشعبية، وأن النواب استطاعوا أن يفرضوا أمرا مخالفا لرغبة الحكومة، أما لو نجحت الحكومة فى تنفيذ مخططها فسيبقى الأمل معلقا على تدخل الرئيس وهو ما يتوقعه البعض قياسا على قضايا مماثلة.
وفى هذه الحالة يجب أن تكف الحكومة عن اعتبار تدخل الرئيس من ضمن إنجازاتها المزعومة، كما يجب أن يكف مؤيدوها عن ترديد نفس النغمة، لأنها لم تحسن التقدير فى الارتباط بالناس، وفقدت بوصلة الإحساس بالمعاناة التى يتكبدها الموظفون الغلابة الذين يترقبون كل عام ارتفاع رواتبهم بالعلاوة.
كما يبقى الخوف فى حال تدخل الرئيس أن يحدث التفاف عليه بطريقة، «ما تدفعه الحكومة بيمينها تأخذه بيسارها»، وذلك كما حدث مع قرار الرئيس برفع العلاوة إلى 30% العام الماضى، وهو القرار الذى لم يهنأ الناس به كثيرا بعد أن أجهضته الحكومة، حين اتخذت أسهل الطرق أمامها، وهو رفع الأسعار من أجل تدبير الموارد المالية لقرار الرئيس، تحول وقتها الفرح إلى مأتم، وتمنى الناس لو لم يرفع الرئيس العلاوة وترك الأمور كما هى.
خبرة الماضى تقول إن الرئيس مبارك قد يتدخل، وبالأدق ندعوه للتدخل من أجل ملايين الموظفين، لكننا ندعوه إلى التشديد على الحكومة ألا تلجأ إلى رفع الأسعار.. كما فعلت فى الماضى.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة