"قصر السلطان عالى البنيان
حَجَرة بفضة وحَجَرة بمرجان
وأراضى بتاع ألفين فدان
اسمها بستان"
أغنية التتر الرائعة لمسلسل "على الزيبق"، والتى كتبها الشاعر الكبير "عبد الرحمن الأبنودى" للمسلسل الذى أذيع منتصف ثمانينيات القرن الماضى، هى لائقة تماماً حتى بعد مرور 25 عاماً على كتابتها، فالمصريون لا يزالون هم المصريين: بهمومهم وأحزانهم، بخوفهم من الحاضر وفقدانهم الأمل فى المستقبل، بالظلم الذى يتعرضون له.. من الوالى.
"مليان أجراس.. مليان حراس
بقلوب ملهاش شبابيك وبيبان
جدران تولد فى الليل جدران
وده كله واقف على عمدان
أمال إزاى يبقى السلطان؟"
هى نفسها أبواب الوالى: لا تسمع دقات المصريين، ولا تستمع إلى شكواهم.
"قصر الوالى طبعا عالى
مليان حتى لو الكون خالى
بدهب وفاروز.. وكنوز فى كنوز
وإن شبعت بطنه اليد تعوز
وإن عازت يده السرقة تجوز
يضحك نبكى إحنا طوالى
أمال إزاى يبقى الوالى"
لايصدق كثير من العرب الذين لم تسبق لهم زيارة مصر، أن مشهد البشر الذين يعيشون فى القمامة مع خنازيرهم حقيقة.. تماماً كما صعب عليهم أن يصدقوا بأن هناك من يتخذ المقابر مسكناً؛ لما لا وهم يشاهدون إعلانات السكن الفاخر.. الموجود أيضاً فى مصر، الفارق أكبر من أن يبرره عقل، وأى عاقل يصعب عليه ذلك.
"وبيوت الناس.. لا حيطان ولا ساس
ولا ليها لون ولا ليها مقاس
وحيطانها طين.. أصواتها أنين
وغناها حزين"
لم يكن مشهد سكان "الدويقة" المنكوبين بصخرة سقطت عليهم من سماءٍ لم يختاروها، مشهداً استثنائياً، ففقراء مصر أصبحوا مادةً إعلاميةً مثيرة على فضائيات العالم، إن لم تسقط عليهم صخور من سماء، أو تهاجمهم أوبئة فى محال سكن غير آدمية، فلا بد سيخرج منهم كل يوم قاتل، يتصف بملامح درامية.. يؤمن بأن من يتنعمون بثراء بلاده أمام عينيه دمهم حلال.
"وفى وسط الضلمة تهل أنت
ولا نعرف من فين أو إمتى
ترفع بنيان الغلبان
وتطاطى بنيان الوالى
وترَقص قصر السلطان"
عرف المصريون ظلم الوالى منذ أن نشأت الدولة المصرية من آلاف السنين، مروا بفترات انهيار، وعادوا ليقفوا من جديد، يخرج من بين تلال الظلم اليوم فى مصر كل يومٍ قاتل، لكن مصر تظل باقية، تولد من جديد مع آخرين لم يكسرهم الظلم بل تحدوه، لاعدل فى هذا، فليس الجميع سواء، لكنها حكمة الله: هو زمن "لايعرف فيه القاتل من قاتله"، ولا نعرف فى أغلب الجرائم: من الجانى ومن المجنى عليه؟.
"حكموكى ما حكموكى
برضه المصرى مصرى.. والمملوك مملوكى"
وسواء كنا من هذا أو ذاك، المؤكد أننا كلنا ـ سنظل على قلب مصرى واحد ـ نتمنى أن نخبرها:
"إوعى تباتى حزينة.. يا حرة يا زينة
لو ربطوا إيدينا.. بكرة نحرروكى
م السلطان والوالى.. والعهد المملوكى"
كما يقول تتر النهاية..