من المؤسف أن يتصور بعض منا أن الحرب التى يخوضها المصريون ضد أنفلونزا الخنازير، هى حرب دينية، أى معركة سينتصر فيها الإسلام ضد المسيحية، لأن الخنازير كما هو معروف محرمة عند المسلمين، فى حين أنها ليست كذلك عند المسيحيين، ومن المؤسف أيضاً أن يلمح البعض إلى أن قرار الرئيس مبارك بذبح كل الخنازير فيه شبهة تعنت لأن معظم، إن لم يكن كل، الذين يربون الخنازير، مسيحيون فقراء.. فبعض من الجانبين، المسلم والمسيحى، ينحرفون بالقضية الأصلية فى اتجاه استثمار دينى فاسد، وحتما سيعطل هذا الاستثمار الفاسد المجتمع كله عن مواجهة الخطر الأكبر والمرعب، وهو أن حياة كل المصريين من كل الأديان والأعراق والمعتقدات معرضة، ربما للمرة الأولى، لخطر الموت.
لماذا لا يجب أن تكون معركة دينية؟
لأن الأنفلونزا كانت من قبل لدى الطيور وكانت تشكل خطرا حقيقيا على البشر، صحيح أنه تم اختراع أمصال لها، وصحيح أنه تم تحجيمها فى العالم، ولكنها ما زالت تشكل خطراً، ناهيك عن أنها المسئول عن انتقالها للخنازير، فلماذا لم يتم التعامل معها على أساس دينى، أى أن يقول البعض إن الإسلام حلل أكل الطيور فى حين أنها حاملة لمرض يهدد حياة الإنسان بالموت، ثم هل سيغير المسيحيون معتقداتهم الدينية لمجرد أن الخنازير تهدد حياتهم الآن؟
لا أظن.
ثم إن هناك الأطعمة التى تسبب الكثير من الأمراض، ولم تحرمها الأديان، ناهيك عن أنه حان الوقت لأن نحرص جميعا على أن نحترم عقائد بعضنا البعض، فالحروب الدينية ليس فيها منتصر ومهزوم، لأن الأصل فى الأديان هو الإيمان، والطبيعى والمنطقى أن يرى كل منا أن الدين الذى يعتنقه هو الأفضل، ومن ثم فإن المحاولة التى يخوضها البعض من هنا أو هناك للإساءة لعقائد الآخرين لن تثمر عن انتصار هذا الدين أو ذاك، ولكنها ستؤدى حتما إلى جروح طائفية لن يستفيد منها سوى الذين يريدون تدمير البلد وتفكيك الدولة المصرية.
ثم دعونا جميعا نتكاتف لمواجهة هذا الخطر، لكن دون أن نجور على حق مربى الخنازير أو الطيور، أو العاملين فى الصناعات القائمة عليها. ناهيك عن أنه حان الوقت لأن نضغط جديا على الحكومة، لكى تكون لدينا صناعة تدوير القمامة على أسس علمية وبيئية نظيفة، فهذا سيحل الجزء الأكبر من المشكلة، كما أنه سيحول القمامة، وهى مشكلة كبرى، إلى فرصة ضخمة للاستثمار وتنمية البلد.
مشكلة بلدنا ليست فى أن نقوم بعمل سباق بالحديد والنار بين الأديان، حتى يسحق الأقوى غيره، ويرشق راية النصر فى قلب البلد، ولكن مشكلتنا الأساسية هى كيف نحترم عقائد بعضنا البعض، ونحرص على فضيلة التعايش السلمى المبنى على حرية الفكر والاعتقاد.. ولعل أزمة أنفلونزا الخنازير تكون فرصة لكى نمضى فى هذا الطريق الطويل.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة